تعد السودان واحدةً من أكثر الدول التي تنتشر في شتى أرجائها ممارسة تشويه الأعضاء التناسلية الخارجية للإناث (تشويه الأعضاء الجنسية البارزة)، إذ يكشف تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) في العام 2014 أن 86.6 في المئة من النساء اللاتي تتراوح أعمارهن بين 15 و49 عامًا قد تعرّضن لنوع من أنواع تشويه الأعضاء التناسلية الخارجية، الذي يتدرج من إزالة جزء من البظر إلى بتر جميع الأعضاء الجنسية الخارجية.

في مواجهة الانتشار الواسع لهذه الجريمة التي تهدد حياة ملايين النساء والفتيات يوميًا في السودان، ناضلت الحركة النسوية طويلًا من أجل الوصول إلى تشريع يجرّم بشكل قاطع تشويه الأعضاء التناسلية الخارجية بكل درجاته، وعلى مدار ما يزيد عن 70 عامًا شهدت السودان محطات عديدة في طريقها إلى تجريم هذه الممارسة تجريمًا كليًا، وهو ما تحقق في العام 2020 عقب المصادقة الرسمية على تعديل مواد القانون الجنائي الوطني، بما ينص على تجريم تشويه الأعضاء التناسلية الخارجية للإناث بكل أنواعه.

فيما يلي نستعرض أبرز المحطات في طريق السودان نحو تجريم تشويه الأعضاء التناسلية الخارجية للإناث:

عام 1946

إبان فترة الحكم المشترك لبريطانيا ومصر في السودان، قرر ممثلو الاستعمار البريطاني إصدار قانون يجرّم تشويه الأعضاء التناسلية الخارجية للإناث في السودان، ليصبح أول بلد في القارة الأفريقية التي تستشري فيها الممارسة يتخذ خطوة التجريم، إلا أن القانون قوبل بمقاومة عتيدة ورفض قوي لما اعتبره قطاع عريض من المجتمع السوداني حينها تعديًا على القيم والأعراف، ولذلك كان القانون غير فاعل وغير مؤثر على أرض الواقع.

عام 1973

بعد 17 عامًا من تحرر السودان من الاحتلال البريطاني واستقلاله عن مصر، وافق الرئيس السوداني الأسبق جعفر نميري على إضافة مادة إلى القانون الجنائي الوطني تحظر تشويه الأعضاء التناسلية الخارجية للإناث.

لكن الإرادة السياسية لم تكن جادة بما يكفي لدعم التعديل التشريعي بإجراءات من شأنها تحجيم الممارسة، خاصة أن القانون لم يشمل تعريفًا واضحًا لتشويه الأعضاء التناسلية الخارجية أو ينص على عقوبات بحق من يقوم بهذه الممارسة.

عام 1983

أصدر الرئيس السوداني الأسبق جعفر محمد نميري قوانين سبتمبر التي عرفت لاحقًا باسم «قوانين الشريعة الإسلامية»، وبموجبها أعلن الشريعة الإسلامية مصدرًا للتشريعات ونصب نفسه إمامًا للمسلمين.

وجد المحافظون والمتشددون في هذا التحرك فرصة للعودة عن تجريم تشويه الأعضاء التناسلية الخارجية للإناث، بدعوى أنه ممارسة ذات سند ديني وبإدعاء أنه واجب شرعي.

عام 1991

ألغى القانون الجنائي للعام 1991 الإشارة إلى بتر الأعضاء التناسلية الخارجية للإناث بوصفه جرحًا، واكتفى في تعريفه للجروح في المادة 138 بما يلي: من يسبب للإنسان ذهاب عضو في جسده أو ذهاب وظيفة العقل أو الحاسة أو الجارحة أو شجاجًا أو جرحًا في جسده يكون قد سبب له جرحًا. وتكون الجراح عمدًا أو شبه عمد أو خطأ، ويراعى في التمييز بينها ما يراعى في التمييز بين أنواع القتل الثلاثة.

عام 2006

تشكّلت لجنة وطنية مهمتها مراجعة وتعديل القانون الجنائي السوداني، ضمّت بين أعضائها ناشطات نسويات عملن على دفع اللجنة باتجاه إضافة مادة تجرّم تشويه الأعضاء التناسلية الخارجية للإناث، إلا أن ضغوط المتشددين وقتئذٍ عرقلت هذه المساعي.

عام 2007

تعد ولاية البحر الأحمر في شرق السودان، واحدة من أكثر الولايات احتضانًا لممارسة تشويه الأعضاء التناسلية الخارجية للإناث، ووفقًا لتقرير «ختان الإناث وزواج الأطفال في السودان.. هل هناك أي تقدم يُذكر؟» الصادر عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) في العام 2016، فإن ما يصل إلى 55.6 في المئة من الفتيات في الولاية قد أخضِعن للممارسة.

وقد بادر بعض أعضاء المجلس التشريعي للولاية في العام 2007، بتقديم مشروع قانون محلي يجرّم جميع أنواع تشويه الأعضاء التناسلية الخارجية للإناث ويعاقب مرتكبيه بالسجن أو الغرامة. لكن قبائل البجا الأكثر انتشارًا في منطقة شرق السودان، قادوا احتجاجات واسعة ضد مشروع القانون، مما أدى إلى سحبه والتراجع عن مناقشته.

في هذا العام أيضًا، أطلقت الحكومة السودانية الاستراتيجية القومية للقضاء على ختان الإناث في جيل (2008 – 2018)، وأصدر المجلس الطبي السوداني (جهة حكومية مهمتها حماية صحة وسلامة المواطنات والمواطنين وتنميتها) قرارًا يمنع الأطباء من إجراء تشويه الأعضاء التناسلية الخارجية للإناث بكل أنواعه.

عام 2008

مررت ولاية جنوب كردفان أول تشريع محلي يجرّم تشويه الأعضاء التناسلية الخارجية للإناث، وقد حمّل القانون أولياء الأمور مسؤولية حماية الفتيات من الخضوع لهذه الممارسة حتى يبلغن سن 18 عامًا، ونص أيضًا على حق الناجيات من جريمة التشويه في تعويضات يدفعها المتسبب في الضرر.

عام 2009

أضحت القضارف ثاني ولاية سودانية تمرر تشريعًا محليًا يجرّم تشويه الأعضاء التناسلية الخارجية للإناث، وذلك بعد أن أقرت نصًا قانونيًا يحظر الممارسات الضارة بالأطفال، بما فيها جميع أنواع تشويه الأعضاء التناسلية الخارجية للإناث.

عام 2010

صدر في شهر فبراير قانون الطفل للعام 2010 الذي نص في الفقرة (ك) من مادته الخامسة على «يضمن هذا القانون حماية الطفل ذكرًا أو أنثى من جميع أنواع وأشكال العنف أو الضرر أو المعاملة غير الإنسانية أو الإساءة البدنية أو المعنوية أو الجنسية أو الإهمال أو الاستغلال.»

حاولت العديد من المجموعات النسوية السودانية الاستناد إلى هذا النص كأساس قانوني يضمن حق الأطفال الإناث في الحماية من الممارسة التي تعد شكلًا من أشكال العنف والإساءة، إلا أن عدم النص صراحة على ذلك سمح بتعدد التفسيرات والتأويلات للمادة ولما قصده المشرع من الألفاظ الواردة فيها.

عام 2011

شهدت ولاية البحر الأحمر خروج احتجاجات نسوية تطالب بتجريم تشويه الأعضاء التناسلية الخارجية للإناث، بعد وفاة طفلة من جراء إخضاعها له، مما دفع بالمجلس التشريعي للولاية إلى إدراج مادة في قانون الطفل المحلي تحظر الممارسة.

عام 2013

عدلت ولاية جنوب دارفور قانون الطفل الخاص بالولاية، بما ينص على المنع التام لتشويه الأعضاء التناسلية الخارجية للإناث بكل أنواعه، لتكون رابع ولاية بين الولايات الـ18 في السودان تسن تشريعًا محليًا ضد الممارسة.

عام 2016

وافق مجلس الوزراء السوداني على تعديل القانون الجنائي الوطني بإضافة مادة تنص على تجريم ممارسة تشويه الأعضاء التناسلية الخارجية للإناث ومعاقبة مرتكبها بالسجن لمدة أقصاها ثلاث سنوات مع دفع غرامة، إلا أن التعديل لم يصبح ساريًا لامتناع الهيئة التشريعية الوطنية عن المصادقة عليه لنحو عامين، حتى جاء قرار المجلس العسكري السوداني بحل الهيئة عقب الإطاحة بالرئيس السوداني عمر البشير استجابة للثورة الشعبية التي اندلعت في نهاية العام 2018.

عام 2020

صادق مجلس السيادة السوداني الذي تشكل لقيادة البلاد خلال المرحلة الانتقالية، على التعديل الذي سبق أن وافق عليه مجلس الوزراء السوداني في العام 2016، لتنضم بذلك السودان إلى قائمة الدول التي تجرّم تشريعاتها الوطنية ممارسة تشويه الأعضاء التناسلية الخارجية بكل أنواعها.

ويرتكز التعديل على إضافة مادة برقم 141 إلى القانون الجنائي الوطني تنص على «يعد مرتكبًا جريمة كل من يقوم بإزالة أو تشويه العضو التناسلي للأنثى، ما يؤدي إلى ذهاب وظيفته كليًا أو جزئيًا سواء كان داخل أي مستشفى أو مركز صحي أو مستوصف أو عيادة أو غيرها من الأماكن. ويعاقب من يرتكب الجريمة بالسجن مدة لا تتجاوز ثلاث سنوات وبالغرامة.»

بالتأكيد كان التجريم هدفًا كبيرًا ناضلت من أجله النساء على مدار عقود، ولكن يظل تحرير السودان من هذه الممارسة طويلة العمر وواسعة الانتشار مرهونًا بتغيير الثقافة المجتمعية الداعمة والمتمسكة بها، نتيجة إرث ثقافي يبارك تشويه الأعضاء التناسلية الخارجية للإناث بوصفه شرطًا لتحقق العفة.