يعرّف المعهد الأوروبي للمساواة بين الجنسين «الحياد تجاه الجندر» بأنه أي شيء لا يرتبط إما بالنساء حصرًا وإما بالرجال فقط، وقد يشير إلى العديد من الأمور مثل المفاهيم أو الأساليب أو اللغة، أي أنه أي شيء يتجنب التمييز وفقًا للنوع.

وتعد اللغة واحدة من أبرز المجالات التي استطاع الحياد تجاه النوع أن يتغلغل فيها، وتعود بوادره إلى ستينيات القرن الماضي عندما بدأ ما يعرف بـ«الإصلاح النسوي للغة» بالتزامن مع انطلاق الموجة النسوية الثانية في الولايات المتحدة الامريكية، وهي المرحلة التي شهدت بداية الاحتجاج على تحيز اللغة المستخدمة في الحياة اليومية والمخاطبات والمراسلات إلى الرجال، ومحاولة العديد من الناشطات أن يعالجن بعض الإشكاليات في هذا الصدد، ومنها إشكالية مخاطبة النساء بلقب «Miss» للمرأة غير المتزوجة ولقب «Mrs.» للمتزوجة، بينما يسبق اسم الرجل لقب واحد هو «Mr.» الذي لا يكشف حالته الاجتماعية، بما يعكس رؤية المرأة كتابع للرجل، ولذلك عملت الحركة النسوية على إقناع الهيئات والمؤسسات والأفراد باستخدام لقب «Ms.» للمرأة كبديل لا يفصح عن الحالة الاجتماعية، باعتبارها شأنًا شخصيًا ليس من المفترض أن يختلف التعامل مع النساء بناءً عليه.

في الثمانينيات، بدأت بعض المنظمات الدولية تستجيب إلى الحراك النسوي، وشرعت في استخدام لغة لا ترتكز على ثنائية التذكير والتأنيث وإنما تستخدم ضمائر وألقاب غير متحيزة، ومنها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) التي أصدرت في العام 1987 كتيبها «دليل للغة غير متحيزة جندريًا»، ثم أصدرت منه نسخة مطوّرة في العام 1999 بعنوان «مبادئ توجيهية بشأن اللغة المحايدة تجاه النوع».

اللغة إذ عرفت الحياد

تنطلق اللغة المحايدة تجاه النوع أو اللغة الشاملة جندريًا من مبدأ أساسي وهو أن الجميع على قدم المساواة، ومخاطبتهم أو التحدث عنهم أو الكتابة إليهم لا بد أن تكون عبر أسماء وأفعال وضمائر شاملة لا تصنّف أو تفرّق بين الجنسين، ولذلك صار بعض المتحدثات والمتحدثين باللغة الإنجليزية يستخدمون الضمير «They» الذي يعني «هم» بصيغة المفرد، كبديل للضميرين «هي – She» و «هو – He».

وفي اللغة السويدية أضيف إلى القاموس الرسمي في العام 2015، الضمير المحايد  «Hen» كبديل للضميرين «هو – Han» و «هي – Hon»، وفي اللغة الإسبانية بات استخدام الضمير  المحايد «elle» في إزدياد، ليحل محل الضميرين «هو – el» و«هي – Ella».

قد يبدو للبعض أن استخدام لغة محايدة تجاه النوع ليس بالأمر المهم، إلا أن الاعتماد على المفرد الذكر فقط كصيغة للمخاطبة والحديث إلى الأفراد من كلا الجنسين، يجعل النساء يشعرن بأنهن في مرتبة أدنى من الرجال أو أنهن غير مرئيات على الإطلاق، وهي الإشكالية البارزة بوضوح في اللغة العربية، ولذلك أصبح اللجوء إلى صيغة «الجمع» بديلاً مقبولًا لتحقيق الحياد والشمول.

وفقًا لمنظمة الأمم المتحدة للمرأة (UN Women)، تكمن أهمية اللغة الشاملة جندريًا في كونها تضع النساء والرجال في المستوى نفسه، ولا ترسخ الصور النمطية الجندرية، فقد كرّست اللغة التي تعتمد على التذكير والتأنيث، تصوّرات بعينها عن الرجال والنساء، ومنها التصورات المرتبطة بالعمل والوظائف، فعلى سبيل المثال اعتاد مستخدمو اللغة العربية الإشارة إلى من يعمل بإطفاء الحرائق بـ«رجل الإطفاء» كترجمة للتسمية الإنجليزية «Fireman»، مما عزز تصوّرًا نمطيًا عن صلاحية هذه المهنة للذكور فحسب، ولكن في الآونة الأخيرة صار كثير من الناطقات والناطقين بالإنجليزية يستخدمون كلمة «Firefighter» كبديل محياد للنوع يعكس أحقية الجنسين في ممارسة هذا العمل.

حتى تتحرر الألعاب من التقسيم التقليدي

مثلما يساهم التحيز في اللغة في تشكيل مواقف وقناعات تجاه صفات وسلوكيات وقدرات كل جنس، يلعب الدور نفسه التصنيف على أساس الجنس في ألعاب الأطفال، وهو الأمر الذي بدأ التصدي إليه عبر حملات مثل «دعوا الألعاب تكون ألعابًا – Let Toys be Toys» التي انطلقت في نوفمبر من العام 2012 في بريطانيا، للضغط على متاجر ألعاب الأطفال حتى تتوقف عن تقسيم الألعاب بناءً على النوع، لما لذلك من تأثير على خيالهم كأطفال، خاصة فيما يتعلق بأدوارهم وإمكانياتهم البدنية والعقلية.

اعتادت متاجر ألعاب الأطفال على توزيع منتجاتها بين قمسين رئيسين، الأول للطفلات وعادةً ما يضم العرائس وأدوات المطبخ ويغلب عليه اللون الوردي، والثاني للأطفال الذكور ويحتوي على ألعاب البناء والإنشاء والسيارات والكرة وتكسوه الألوان الداكنة، إلا أن بعض المتاجر والشركات المُصنّعة للألعاب شرعت مؤخرًا في اتخاذ خطوات نحو تحييد الألعاب، آخرها شركة ليغو الدنماركية المُصنّعة للعبة تركيب المجسمات الشهيرة، التي قررت في شهر أكتوبر الماضي، وبالتزامن مع اليوم الدولي للطفلة، إزالة الملصقات التي تصنف اللعبة «للأولاد» أو «للبنات».

من أجل ملابس لا تفرّق أو تقيّد

على غرار حملة «دعوا الألعاب تكون ألعابًا»، انطلقت أيضًا في بريطانيا حملة «دعوا الملابس تكون ملابس – Let Clothes be Clothes» التي تضغط منذ العام 2014 على مصنعي ملابس الأطفال والمتاجر الخاصة بها حتى يتوقفوا عن تصميم الملابس وتسويقها بناءً على التقسيم الثنائي للذكور والإناث، إذ يرى القائمات والقائمون على الحملة أن الأطفال يجب أن يتمتعوا بفرصة اختيار الألوان والأنماط والشعارات التي يرتدونها، وأن لا تقيّدهم تصوّرات نمطية بشأن ما هو أنثوي (كاللون الوردي) وما هو ذكوري (كاللون الأزرق).

كما تطالب الحملة إدارات المدارس بتغيير سياساتها الخاصة بالأزياء المدرسية، التي ما زالت تحدد للبنات التنورات وللأولاد السراويل، وهو ما تعتقد الأكاديمية البريطانية بيكي فرانسيس، الرئيسة السابقة لمعهد التعليم بكلية لندن الجامعية، أنه يرسل رسالة مفادها أن «الأولاد نشيطون بينما يتعين على البنات أن يكن أقل نشاطًا وأكثر رزانة.»

الحيادية الجندرية عرفت طريقها أيضًا إلى متاجر بيع ملابس الكبار وشركات تصنيعها، فقد أصدرت شركة «زارا – Zara» في العام 2016 خط ملابس موحد للجنسين، واختارت له اسم «Ungendered» بما يعني أنه غير مصنف جندريًا، كما أطلقت شركة «اتش أند أم – H&M» في العام 2017 مجموعة سراويل جينز باسم «United Denim» متجاوزة التقسيم الثنائي التقليدي للسراويل.

قد لا تبدو هذه التحركات ذات تأثير واسع في الوقت الراهن، إلا أن الاتجاه إلى تحييد النوع في مختلف مناحي الحياة، سيساعد حتمًا على المدى البعيد في إنهاء التقسيم الثنائي الذي فرض نفسه على كل شيء، وبموجبه أضحى كل ما هو مذكر أو مؤنث مقيدًا بتوقعات بعينها، فضلًا عن أن التحرر من التصنيف الاجتماعي التقليدي سيسهم في هدم الهيكل الهرمي الذي يضع الرجال في مرتبة أعلى من النساء.