«الوصول إلى المنتجات المرتبطة بالدورة الشهرية حق أصيل وحاجة أساسية، ولكن هناك ملايين النساء حول العالم محرومات من هذا الحق.»

هناك ما لا يقل عن 500 مليون امرأة حول العالم، يعانين شهريـًا من فقر الدورة الشهرية، وفقًا لبيانات مؤسسة «مشروع بورجن الأمريكية – The Borgen Project»، أي أنهن غير قادرات على الوصول إلى المنتجات المرتبطة بالدورة الشهرية وفي مقدمتها الفوط الصحية، وليس بوسعهن أن يتعاملن مع الحيض نتيجة نقص الموارد كالمياه النظيفة والحمامات الخاصة، فضلًا عن افتقارهن إلى التثقيف الصحي والجنسي.

كم من حقٍ يهدره فقر الدورة الشهرية!

لا تقتصر تبعات فقر الدورة الشهرية على المشاكل الصحية جسدية كانت أو نفسية فقط، بل إنه يتسبب أيضًا في حرمان النساء والفتيات من حقوق عديدة ويعرّضهن لانتهاكات ومخاطر متعددة، والتي يأتي من بينها التسرب من التعليم، إذ يكشف تقرير «التعليم والتعلم تحقيق الجودة للجميع» الصادر عن منظمة اليونيسكو (منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة) في العام 2014، أن فتاة من كل عشر فتيات في أفريقيا جنوب الصحراء تتغيب عن المدرسة خلال أيام الحيض، بسبب عدم القدرة على الوصول إلى منتجات الدورة الشهرية أو إلى الموارد التي تساعد على التعامل مع الحيض.

تكرار التغيّب عن المدرسة يؤدي في أغلب الحالات إلى التسرب من التعليم، ووفقًا لمنظمة «انقذوا الأطفال – Save the Children» فإن احتمالية التزويج والحمل المبكرين تزداد بعد التسرب من التعليم.

في الهند التي تعد من أكثر البلدان تأثرًا بفقر الدورة الشهرية، 75 في المئة من النساء والفتيات في سن الحيض معرضات للإصابة بالعدوى البكتيرية بسبب عدم القدرة على الوصول إلى الموارد التي تعينهن على التعامل مع الحيض، و23 في المئة من الفتيات يتسربن من التعليم بعد أن يدخلن مرحلة البلوغ، بحسب بيانات «مؤسسة ديساي –The Desai Foundation» التي تعمل على تمكين النساء والأطفال في الهند والولايات المتحدة.

وعلى غير ما قد يتصوره كثيرون، لا ينتشر فقر الدورة الشهرية فقط في الدول ذات الدخل المتوسط والمنخفض، وإنما تعاني منه كذلك النساء في الدول مرتفعة الدخل، ففي الولايات المتحدة يُظهِر استطلاع أجرته شركة «يو باي كوتكس – U By Kotex» لمنتجات الحيض، أن اثنتين من كل خمس نساء فوق سن 18 عامًا عانين في مرحلة ما من عدم القدرة على شراء المنتجات المرتبطة بالحيض بسبب قلة الدخل، وفي بريطانيا تعاني فتاة من كل عشر فتيات في المرحلة العمرية (14- 21) عامًا من فقر الدورة الشهرية، استنادًا لتقرير صدر عن منظمة بلان الدولية في العام 2017.

سنوات من النضال من أجل العدالة الحيضية

يقف وراء أزمة فقر الدورة الشهرية سببان رئيسان هما الوصمة الاجتماعية المتصلة بالدورة الشهرية، والضرائب المفروضة على منتجات الحيض نتيجة إدراجها ضمن «سلع الرفاهية» في أغلب دول العالم، وقد بدأ النضال ضد الإشكاليتين في ستينيات القرن الماضي في الولايات المتحدة الأمريكية، عندما تشكّل حراك نسوي عرف باسم «النشاطية الحيضية – Menstrual Activism»، وكان شاغله الشاغل هو رفع الوصم عن الحيض وكل ما يتعلق به، وقد امتد الحراك إلى العديد من الدول الأوروبية، قبل أن ينتقل إلى قارتي آسيا وأفريقيا.

بمرور الوقت صارت إزالة الضرائب المفروضة على منتجات الحيض مطلبًا مركزيًا وهدفًا أساسيًا للحراك، لما تشكّله من عبء على النساء والفتيات يعيق وصول كثير منهن إليها ويجبرهن على اللجوء إلى بدائل أخرى غير آمنة كقطع القماش والأوراق والجوارب. وقد تحقق هذا الهدف في بعض البلدان بداية من العام 2004 مثل: كينيا وكندا وبريطانيا وأيرلندا وأستراليا وألمانيا.

ومع الإدراك المتزايد للتبعات الكبرى لفقر الدورة الشهرية على الفتيات تحديدًا، أضحى توفير الفوط الصحية مجانًا في المدارس والجامعات، بين الجهود التي تقوم بها مؤسسات نسوية عديدة حول العالم، بالتوازي مع ممارستها لضغوط قوية على الحكومات حتى تضطلع بتوفير المنتجات الخاصة بالدورة الشهرية في أماكن الدراسة، وهو ما استجاب له صناع القرار في نيوزيلندا، واسكتلندا، وإنجلترا، وكينيا، وجنوب أفريقيا، وزامبيا، وبعض الولايات الأمريكية مثل واشنطن ونيويورك وفرجينيا.

حق النساء والفتيات في الوصول العادل واليسير والآمن لمنتجات الحيض والمعلومات المرتبطة بالدورة الشهرية، أطلقت عليه المحامية والناشطة النسوية جينيفر وايس وولف في العام 2015 اسم «Menstrual Equity» أو «العدالة الحيضية»، وفي العام 2017 أصدرت كتابًا بعنوان «الدورات الشهرية إلى العلن: اتخاذ موقف من أجل العدالة الحيضية»، تستفيض من خلاله في شرح الإجراءات التي تراها ضرورية من أجل تمكين النساء والفتيات من هذا الحق، وفي صدارتها تعديل التشريعات بما يوقف فرض ضرائب القيمة المضافة على منتجات الحيض.

الخطوات المؤدية إلى العدالة الحيضية حوّلتها النائبة عن الحزب الديمقراطي الأمريكي جراس منغ إلى مشروع قانون حصد دعم 84 مؤسسة حقوقية ونسوية، وقد تقدمت به إلى الكونغرس في العام 2019 إلا أنه لم يُعرَض للنقاش حينها، فعادت وقدمته مرة أخرى في شهر مايو من العام 2021.

مشروع القانون الذي يحمل اسم «عدالة حيضية للجميع» يعطي للولايات الحق في تخصيص جزء من التمويل الفيدرالي لتوفير منتجات الدورة الشهرية مجانًا في المدارس، ويلزم جميع المباني الفيدرالية وأماكن الاحتجاز بوضع فوط صحية وسدادات قطنية مجانية في حمامات النساء، ويفرض المشروع على أصحاب الأعمال الذين يعمل في شركاتهم أكثر من 100 موظفة وموظف توفير فوط صحية وسدادات قطنية مجانية في مكان العمل، كما ينص المشروع على أن تكون تكلفة منتجات الدورة الشهرية ضمن ما يغطيه برنامج التأمين الصحي «Medicaid».

بريطانيا أيضًا تشهد مساعٍ رامية إلى تحقيق العدالة الحيضية، فقد قررت الحكومة البريطانية في العام 2019 تشكيل قوة عمل للقضاء على فقر الدورة الشهرية، يرتكز عملها على ثلاثة محاور هي؛ معالجة المفاهيم المغلوطة عن الدورة الشهرية وإزالة الوصمة التي تحيط بها، وزيادة القدرة على الوصول إلى المنتجات المرتبطة بالدورة الشهرية، وجمع بيانات محسنة حول فقر الدورة الشهرية والصحة الحيضية والوصمة الاجتماعية المتصلة بالحيض.

التحرك الأبرز في طريق القضاء على فقر الدورة الشهرية وتحقيق العدالة الحيضية، هو الذي قامت به اسكتلندا في العام 2020، حينما مرر برلمانها قانونًا يعطي الحكومة الاسكتلندية سلطة إلزام جميع الهيئات العامة بتوفير منتجات الدورة الشهرية مجانًا داخل مبانيها، ويوجب على المدارس والجامعات إتاحة هذه المنتجات في الحمامات بشكل منتظم ومجاني.