على مدار عقود طويلة، تعمّد الباحثون استبعاد النساء من تجارب البحث العلمي في مجالات طب الأعصاب والأبحاث الاجتماعية، بدعوى أن التقلبات الهرمونية تجعل النساء أكثر عاطفية وحساسية بما يزيد من تعقيد النتائج، إلا أن الوضع تغير إلى حد كبير خلال العشرين عامًا الأخيرة، وصارت كثير من المراكز والجامعات البحثية تتخذ إجراءات تضمن تمثيل النساء في الأبحاث، خاصة بعد أن قررت معاهد الصحة الوطنية الأمريكية (NIH) أن تكون مشاركة النساء في التجارب السريرية شرطًا أساسيًا في مشاريع الأبحاث العلمية.

ومع ذلك لم يتخلخل رسوخ الاعتقاد بأن التقلبات الهرمونية لدى النساء تؤثر عليهن عاطفيًا بشكل من الصعب التحكم فيه، خاصة في ظل محدودية البيانات العلمية في هذا الصدد، ولكن في شهر أكتوبر الماضي حدث شيء ما قد يساهم في زعزعة هذه القناعة.

خدعوك فقالوا: الهرمونات هي المؤثر الأكبر على الحالة العاطفية

في الـ22 من أكتوبر الماضي، نشرت مجلة «الطبيعة – Nature » العلمية الرائدة، دراسة طولية مكثفة بعنوان «دليل ضعيف على أن الهرمون الجنسي أو هرمون المبيض يؤثر على التباين العاطفي»، وأبرز ما توّصلت إليه هو أن الرجال والنساء لا يختلفون على الصعيد العاطفي على عكس ما كان متصوّرًا.

اشتركت جامعتا ميتشيغان وبيرديو في إعداد الدراسة التي استهدفت 142 امرأة ورجلًا في المرحلة العمرية (18-38) عامًا، وتتبعت مشاعرهم الإيجابية والسلبية لمدة 75 يومًا عن طريق استطلاع يومي يستغرق إجراؤه عشرين دقيقة، لتقييم مشاعرهم وحالاتهم المزاجية.

قسم الباحثات والباحثون عينة النساء المشمولة في البحث إلى أربع مجموعات أولها مجموعة من النساء يأتيهن الحيض بانتظام، والمجموعات الأخرى تضم نساءً يأخذن ثلاثة أنواع مختلفة من موانع الحمل الفمويـة، وذلك حتى تتوصل الدراسة إلى ما إذا كان هناك ما يثبت أن التباين العاطفي بين النساء والرجال يرتبط بتذبذب مستوى الهرمونات خلال الدورة الشهرية كما هو الشائع.

وقد تتبع الباحثات والباحثون تقلّب المشاعر لدى المجموعات النسائية وقارنوها بتقلبات المشاعر لدى الرجال المشمولين في البحث، فتبين لهم وجود فروق ضئيلة أو معدومة بين الطرفين.

وفي بيان لجامعة ميتشيغان، قالت أدريان بيلتز، باحثة مشاركة في إجراء الدراسة، إن الدراسة لم تتوصل إلى اختلافات بارزة بين مجموعات النساء نفسها، بما يوضح أن التقلبات العاطفية تنتج عن العديد من التأثيرات وليس فقط الهرمونات، إذ تؤكد الدراسة أن تأثير الهرمونات على المشاعر يعد ضئيلًا بالمقارنة مع التأثيرات البيولوجية النفسية الاجتماعية (biopsychosocial influences) الأخرى.

وفي تصريحات لشبكة «أن بي سي – NBC» الأمريكية، قالت بيلتز إن الدراسة لا تتحدث بشكل مباشر عن جذور أو عن أسباب استمرار القوالب النمطية الجنسانية، إلا أنها تأمل أن تساعد نتائج الدراسة في تفكيك هذه القوالب.

كيف ترسخ التنميط الجندري للمشاعر؟

كانت قد كشفت دراسة بعنوان «التنميط الجندري للعواطف»، نشرتها المجلة الأكاديمية الفصلية «Psychology of Women» في مارس من العام 2000، أن واحدة من إشكاليات الأبحاث العلمية التي سبق أن خلصت إلى أن النساء عاطفيات أكثر من الرجال، هي الخلط بين اختبار المشاعر والتعبير عنها، بما يتجاهل القوالب النمطية الجنسانية للتعبير العاطفي.  هذه القوالب التي تجعل إفصاح الإناث عن المشاعر أمرًا ذا مقبولية مجتمعية، بينما تُرسِخ لدى الذكور منذ الصغر  قناعة بأن «الرجال لا بد أن يكتموا ويخفوا مشاعرهم».

تؤكد على الفكرة ذاتها الباحثة والأكاديمية فيكتوريا بريسكول في ورقتها البحثية  «يقدن بقلوبهن؟ كيف تؤدي القوالب النمطية للمشاعر إلى تقييمات متحيزة  تجاه القائدات؟»، المنشورة بمجلة «القيادة – The Leadership» الفصلية في إبريل من العام 2016، إذ تقول إن الاعتقاد الشائع بأن النساء هن الجنس الأكثر عاطفية قد يكون لأن الناس يجدون المرأة تظهر مشاعر أكثر من الرجل، وليس لأنها بالضرورة تشعر بتسلسل أوسع من المشاعر وبكثافة أكبر منه.

المشاعر نفسها خضعت للتنميط وطالها التقسيم الاجتماعي، فارتبطت مشاعر مثل الحزن والخوف والغيرة والشعور بالذنب بالنساء، وأضحت مشاعر كالغضب والاعتزاز بالنفس والجرأة مصنفة بوصفها مشاعر ذكورية.

لقد تحوّلت المشاعر مثل أشياء كثيرة أخرى إلى أحد وسائل التنميط الجندري، يحدد المجتمع للأفراد حجم ونوع المشاعر التي يجوز لهم التعبير عنها اتصالًا بالصفات التي تم تقسيمها أيضًا ما بين أنثوية وذكورية، ولذلك بات من الصعب على الرجال أن يعبّروا عن بعض المشاعر التي قد تؤدي إلى رؤيتهم كرجال عاطفيين بعكس المتوقع من بني جنسهم وهو أن يكونوا عقلانيين وأقل عاطفية، مثلما صار المنتظر من النساء إذا أردن اعتلاء المناصب القيادية أن يثبتن أنهن لسن عاطفيات عن طريق إخفاء كل المشاعر الشائع نسبها إلى المرأة.