«مثلما تعد مواجهة التغير المناخي معركة من أجل الحفاظ على كوكب الأرض، هي أيضًا معركة لحماية النساء من تصاعد العنف ضدهن.»

بدأت مؤخرًا بعض المؤسسات البحثية تسلّط الضوء على الرابط بين العنف القائم على النوع الاجتماعي والتغير المناخي، وصار العديد من المنظمات الدولية، على رأسها الأمم المتحدة، يطالب الحكومات باتباع نهج متكامل يعي الصلة بين  التغيرات المناخية وزيادة العنف الموّجه ضد النساء، كما أشارت لجنة القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (لجنة سيداو) في توصيتها رقم (37) الصادرة في العام 2018، إلى أن النساء والفتيات يواجهن خطرًا متزايدًا فيما يتعلق بالعنف القائم على النوع الاجتماعي أثناء الكوارث وبعدها، مشددةً على أن النساء يتأثرن بشكل مختلف عن الرجال بتغير المناخ، إذ يتعرضن لمخاطر وأعباء وتبعات أكبر.

نقص المياه يحرمهن من حقهن في التعليم

توضح هيئة الأمم المتحدة في تعريفها للتغير المناخي، أن عواقبه تشمل الجفاف الشديد وندرة المياه والحرائق الشديدة وارتفاع مستويات سطح البحر والفيضانات وذوبان الجليد القطبي والعواصف الكارثية وتدهور التنوع البيولوجي. وقد أثبتت دراسات حديثة أن التغير المناخي يؤثر على نوعية وكمية الموارد المائية، ومن المتوقع أن يتضاعف عدد الأشخاص غير القادرين على الوصول إلى مياه نظيفة وآمنة للشرب، الذي يُقدّر في الوقت الحالي بنحو 884 مليون شخص، استنادًا إلى بيانات منظمة الصحة العالمية (WHO) وهيئة الأمم المتحدة للطفولة (UNICEF)، وتتوقع الأمم المتحدة أن يعيش 1.8 مليار شخص في مناطق تعاني من الإجهاد المائي أو ندرة المياه خلال أقل من 10 سنوات.

ومع تصاعد موجات الحر التي بدورها تؤدي إلى زيادة الجفاف، تتعاظم الحاجة إلى تعبئة الميـاه ونقلها عبر مسافات طويلة، كما هو الحال في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى حيث تتضاءل المياه المتاحة مما يجبر الأفراد على جمع المياه ونقلها، بما يشكل عبئًا أكبر على النساء والفتيات، فوفقًا لدراسة أجراها المركز الوطني للمعلومات التقنية الحيوية ‏الأمريكي، عن جمع المياه في 24 دولة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، صادرة في العام 2016، تكون الفتيات أكثر عرضة لتحمّل مسؤولية جمع المياه بالمقارنة مع الأطفال الذكور، بنسبة 62 في المئة في مقابل 38 في المئة.

وعلى مستوى أوسع من البحث، تكشف دراسة صادرة عن الاتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة في العام 2020، بعنوان «العنف القائم على النوع والروابط البيئية» أن النساء والفتيات يتحمّلن مسؤولية جمع المياه ونقلها في ثمانية من كل عشرة منازل في شتى المناطق التي لا تتوفر فيها المياه.

ويستغرق جمع المياه مدة تتراوح بين 25 إلى 33 دقيقة في أفريقيا جنوب الصحراء، بينما يتجاوز الساعة في بلدان مثل تونس واليمن والصومال وموريتانيا، بحسب بيان لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (UNICEF)، صدر في أغسطس من العام 2016. كما تكشف منظمة بلان الدولية (Plan International) أن الفتيات في بعض الدول النامية يقضين نحو 15 ساعة أسبوعيًا في جمع المياه، ويسرن لما يقدّر بـ6 كيلو مترات في اليوم الواحد من أجل جلب المياه لعائلاتهنّ، وهو ما يرغمهن على التخلي عن أنشطة أخرى في سبيل توفير المياه للأسرة، يأتي في مقدمتها الذهاب إلى المدرسة، لينتهي بهن الحال متسربات من التعليم.

من ناحية أخرى، تساهم المسافات الطويلة التي تقطعها النساء أو الفتيات وحدهن في طرق غير آمنة في زيادة احتمالية تعرّضهن لأشكال عديدة من العنف مثل التحرش والاعتداء الجنسي والاغتصاب. ويبين بحث لمركز بحوث التنمية الدولية، صدر في العام 2013، بعنوان «النضال من أجل الوصول الآمن للمياه والصرف الصحي»، أن النساء والفتيات في بعض الأماكن منخفضة الدخل في العاصمة الهندية نيودلهي يواجهن يوميًا التحرش والمضايقات أثناء جمع المياه وعند استخدامهن لمرافق الصرف الصحي التي عادةً ما تكون غير نظيفة وغير آمنة.

التغير المناخي وتعاظم خطر التزويج المبكر

تكشف الدراسة التي أشرنا إليها آنِفًا، الصادرة عن الاتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة في العام 2020، أن نقص المياه يساهم في زيادة معدلات تزويج القاصرات، فقد أفاد المشاركون في  إحدى مجموعات النقاش البؤرية التي أجراها فريق البحث في كينيا، بأن إتاحة المياه تقلل من لجوء العائلات إلى تزويج القاصرات، لأن توّفر المياه يساعد في تقليل الأعباء الاقتصادية عن كاهل الأسر، إذ يرتبط تزويج القاصرات ارتباطًا مباشرًا بالفقر، ويزيد انتشاره في البلدان والمناطق الأكثر فقرًا، حيث تنظر العائلات محدودة الدخل إلى الابنة باعتبارها عبئًا اقتصاديًا يجب التخلص منه عبر التزويج في أقرب وقت ممكن.

يزيد أيضًا تزويج القاصرات في أوقات الجفاف، إذ يوضح تقرير بعنوان «القرن الأفريقي: نداء للعمل»، صادر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) في العام 2017، أنه عندما اجتاح الجفاف إثيوبيا في العامين 2010 و2011، زاد تزويج القاصرات نتيجة اتجاه الأسر إلى بيع الفتيات في مقابل الحصول على الماشية لضمان بقاء بقية أفراد الأسرة أحياء.

ليس الجفاف وحده، فالفيضانات أيضًا تؤدي إلى زيادة تزويج القاصرات لما تخلّفه من آثار اقتصادية سلبية، وكانت الحكومة في دولة مالاوي قد أشارت في تقرير لها، يتناول تبعات الفيضانات التي ضربت البلاد في العام 2015، إلى أن تزويج القاصرات برز كأحد الآثار الجانبية للكارثة، ويُقدّر مشروع «عرائس الشمس -Brides Of The Sun» المعني بدراسة الصلة بين تزويج القاصرات وتغير المناخ، عدد الفتيات المعرّضات لخطر التزويج المبكر في مالاوي كنتيجة مباشرة لتغير المناخ بنحو 1.5 مليون فتاة.

تؤكد منظمة هيومن رايتس ووتش على التأثير المباشر للتغير المناخي على تزويج القاصرات، في بحثها الصادر في يونيو من العام 2015، حول تزويج القاصرات في بنغلاديش، إذ أقرت العديد من الأسر بأنها اتخذت قرارات بتزويج بناتها لأسباب تتعلق مباشرة بالكوارث الطبيعية التي تتفاقم بسبب تغير المناخ، كما وصفت بعض الأسر الكوارث الطبيعية بأنها عامل توتر متكرر، لأنها تأخذ الطعام من فم الأسرة وتجعل تزويج القاصرات يبدو كأنه الخيار الأفضل للفتاة والأسرة معًا.

النزوح بسبب المناخ والعنف الجنسي

تتوقع دراسة صادرة عن المنظمة الدولية للهجرة (IOM)، بعنوان «الهجرة والبيئة وتغير المناخ» أن يكون هناك ما بين 25 مليون إلى مليار مهاجرة ومهاجر بحلول العام 2050 بسبب التغير المناخي، وبحسـب بيانات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، تمثل النساء 80 في المئة من النازحين والمهاجرين بسبب التغيرات المناخية، وهذا يعني أنهن المتضرر الأكبر عند وقوع الكارثة الطبيعية وبعد وقوعها، إذ ينذر النزوح والهجرة ببيئة خصبة للعنف ضد النساء، خاصة في ضوء افتقار مراكز الإيواء أو المخيمات إلى الخدمات والتأمين. وقد ذكرت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في استراتيجيتها المحدّثة بشأن العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي، الصادرة في يونيو من العام 2011، أن محدودية القدرة على الوصول إلى الموارد الأساسية، تجعل النساء مضطرات إلى الخروج من الملاجئ والمخيمات والسير لمسافات طويلة من أجل جمع المياه أو الإتيان بالغذاء أو أخشاب الوقود، بما يجعلهن عرضة للاغتصاب أو الاعتداء أو القتل.

كل هذه الحقائق تؤكد أن العمل المناخي (Climate Action) يجب أن يكون ركيزة أساسية في مواجهة العنف المتصاعد ضد النساء، وحتى يحقق هذا العمل نتائج إيجابية لا بد من مشاركة فعّالة لهن لا سيما في مواقع اتخاذ القرار.