حينما استطاعت حركة طالبان السيطرة على الحكم في أفغانستان لأول مرة في العام 1996، أظلمت دروب الحياة في وجه النساء، إذ منعت الحركة الفتيات من الذهاب إلى المدارس والجامعات، ومنعت النساء من الخروج إلى العمل طالما كان مختلطًا، وحظرت خروجهن من المنازل من دون البرقع (النقاب)، وقيدت حركتهن تمامًا فلم يعد بوسعهن أن يتنقلن من دون مرافقة محرم (ذكر بالغ من العائلة). وقد استمر الحال على هذا النحو حتى أطيح بحكم حركة طالبان في العام 2001 عقب الغزو الأمريكي لأفغانستان.

الآن تعود حركة طالبان إلى الحكم مرة أخرى، بعد أن سيطرت على أغلب عواصم الولايات الأفغانية، واقتحمت العاصمة كابول من دون مقاومة، ودخلت إلى القصر الرئاسي من دون أن يردها أحد عقب هروب الرئيس الأفغاني أشرف غني، مستفيدةً في كل خطواتها من الانسحاب المتعجّل للقوات الأمريكية من أفغانستان.

وفي أول مؤتمر صحافي لها بعد السيطرة على العاصمة كابول، الذي عقد مساء الـ17 من أغسطس الماضي، وعدت حركة طالبان باحترام حقوق المرأة والسماح لها بالعمل والتعلم، بما يتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية، وقال الناطق الرسمي باسم الحركة ذبيح الله مجاهد إنه لن يكون هناك عنف ضد المرأة، مشددًا على أن «الشريعة الإسلامية هي الإطار». لكن هذه التصريحات، بغض النظر عن ما يكتنفها من غموض، تتعارض مع ما يجري على الأرض منذ أن بدأت الحركة تسيطر على المدن الأفغانية واحدة تلو الأخرى خلال الشهور الثلاثة الأخيرة.

وعود زائفة

أصدرت اللجنة الأفغانية المستقلة لحقوق الإنسان، في شهر يوليو الماضي، تقريرًا يكشف أن حركة طالبان قد شرعت في فرض قيود تنتهك القوانين الدولية ومعايير حقوق الإنسان، في المقاطعات التي سيطرت عليها داخل العديد من الولايات الأفغانية، حيث صار لزامًا على النساء إذا أردن الخروج من المنزل أن يرتدين البرقع (النقاب)، وأن يرافقهن محرم (أحد ذكور العائلة البالغين).

ووفقًا للتقرير أيضًا، فقد أغلقت حركة طالبان مدارس البنات والمدارس المختلطة في المناطق التي أخضعتها لسيطرتها، وأصدرت قرارات بمنع النساء من الوصول إلى الخدمات الصحية إلا في وجود محرم.

وفي مقال كتبته الناشطة الباكستانية مالالا يوسف زاي، بعنوان «أنا نجوت من طالبان. أنا أخاف على أخواتي الأفغانيات»، تقول إنها  قد تحدثت مع العديد من المدافعين عن الحق في التعليم في أفغانستان، لتتعرف إلى وضعهم الحالي وما يأملون أن يحدث بعد ذلك، وقد علمت من العديد من النشطاء أنهم يخشون العودة إلى التعليم الديني منفردًا.

وذكرت مالالا في مقالها إن إحدى الناشطات قالت لها إنها تريد من طالبان أن تكون محددة بشأن ما ستسمح به، لأنه لا يكفي القول بشكل غامض إن الفتيات يمكنهن الذهاب إلى المدرسة، مشددةً على ضرورة وجود اتفاقات واضحة ومحددة حول تمكين الفتيات من مواصلة تعليمهن، ودراسة العلوم والرياضيات، والذهاب إلى الجامعة والالتحاق بالقوى العاملة، والعمل بالوظائف التي يخترنها.

كما حذرت فريندا نارين الأكاديمية الهندية وعضوة شبكة «النساء اللاتي يعشن تحت وطأة القوانين الإسلامية» من استغلال مقاتلي الحركة للفتيات والنساء جنسيـًا، إذ تشير في مقال نشرته منصة «المحادثة – The Conversation» إلى أن قادة حركة طالبان الذين تمكنوا من السيطرة على ولايتي بدخشان وتخار في شهر يوليو الماضي، قد أمروا رجال الدين المحليين بتزويدهم بأسماء الفتيات اللائي تتجاوز أعمارهن الـ15 عامًا والأرامل تحت سن 45 عامًا، بهدف تزويجهن لمقاتلي الحركة.

وبعد أيام قليلة من سيطرة الحركة على العاصمة، نشـرت صحافية سابقة بهيئة الإذاعة البريطانية (BBC) تدعى نسرين نوا، عبر حسابها على موقع تويتر، صورًا توثق آثار اعتداء عناصر من الحركة على امرأة بسبب وجود وشم على إحدى يديها.

المنع والحظر يتسيدان المشهد على الأرض

في كلمته خلال الجلسة الطارئة التي عقدها مجلس الأمن في الـ16 من أغسطس الماضي، قال سفير أفغانستان لدى الأمم المتحدة، غلام إيزاكزاي، إن ملايين الفتيات والنساء صرن على وشك أن يفقدن حرية الذهاب إلى المدرسة والعمل، والمشاركة في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد.

في الوقت الذي يتحدث فيه إيزاكزاي بصيغة المستقبل، هناك كثير من النساء والفتيات الأفغانيات اللاتي بدأت معاناتهن بالفعل، فقد أفاد شهود عيان لجريدة «النيويورك تايمز- The New York Times» الأمريكية، بأن مسلحين تابعين لحركة طالبان باتوا يحرسون بوابات الجامعة في مدينة هرات التي تقع غربي أفغانستان، وقد منعوا الطالبات والمعلمات من الدخول إليها.

المدينة ذاتها شهدت في شهر يوليو الماضي، اقتحام بعض عناصر الحركة لأحد فروع بنك ملي الأفغاني (BMA)، وإجبارهم للموظفات على الخروج منه، محذرين إياهن من العودة إلى العمل.

وفي شهر يوليو أيضًا، نقلت صحيفة «رويترز- Reuters» عن شهود عيان، واقعة مماثلة في مدينة قندهار، إذ دخل بعض مقاتلي طالبان إلى مقر بنك عزيزي، وهو أحد أكبر البنوك التجارية في أفغانستان، وأمروا الموظفات بالمغادرة وعدم الرجوع مجددًا، مشيرين إلى أن وظائفهن قد أضحت منذ تلك اللحظة من حق أقاربهم الذكور.

وعقب سقوط العاصمة، اتخذت الحركة قرارًا بمنع المذيعات العاملات بتلفزيون أفغانستان الوطني (أحد القنوات المملوكة للدولة) من الظهور على الشاشة، على أن يشغل مواقعهن الشاغرة الرجال العاملون بالقناة.

عادة الإسلاميين: مغازلة الغرب قبل إحكام السيطرة

تعتقد الناشطة النسوية الإيرانية ماسيه علي نجاد في وجود تشابه بين التعهدات التي أطلقتها حركة طالبان بشأن احترام حقوق المرأة، وتلك التي صدرت عن المرشد الأعلى السابق في إيران روح الله الخميني في أعقاب الثورة الإيرانية، إذ تشير في مقال نشرته جريدة «الواشنطن بوست- Washington Post» الأمريكية، إلى أن الخميني قال في الـ23 من يناير في العام 1979 «سنعطي النساء كل أنواع الحرية، ولكننا سنمنع الفساد الأخلاقي، وعندما يتعلق الأمر بذلك، فلا فرق بين الرجال والنساء»، إلا أن هذه الوعود تبخرت في الهواء بمجرد أن أحكم الإسلاميون قبضتهم على البلاد.

تُذكّر ماسيه في مقالها بأن القاضيات تعرّضن إلى الفصل التعسفي، والمطربات مُنِعن من الغناء، كما حرمت السلطات النساء من ممارسة العديد من الأنشطة الرياضية، والأهم من ذلك أنها فرضت الحجاب الإلزامي لتصبح الفتيات والنساء اللاتي يرفضن ارتداء الحجاب محرومات من التعليم والعمل، ومنهن من يقضي فترات طويلة داخل السجن.

تقول ماسيه إن طالبان قد أضحت أكثر تمرّسًا واحترافًا في استخدام وسائل الإعلام الغربي للدفع بأجندتها، بينما الحقيقة في شوارع كابول تحكي قصـة مختلفة، حيث تقوم عناصر طالبان بإخفاء وجوه وصور النساء الموجودة على الملصقات الإعلانية في الشوارع.

ترى ماسيه أن ما يجري ينذر بمحو النساء من المجال العام قريبًا، مشبهةً ما يحدث للنساء في أفغانستان ببداية الفيلم الذي انطلقت أحداثه في إيران قبل 42 عامًا ولا يزال مستمرًا حتى الآن.