نظرة على ما تبقى من أرشيف مجلة «ليلى».. أول مجلة نسائية في العراق
صدرت أول مجلة نسائية في بريطانيا في فبراير من العام 1693، حاملةً اسم «The Ladies’ Mercury»، واستمرت في الصدور لأربعة أسابيع فقط، وإلى الآن تعد هذه المجلة هي أول مطبوعة نسائية على الإطلاق، وقد تناولت موضوعات العلاقات، والحب، والزواج، والدين.
لكن الصحافة النسائية بدأت فعليًا في القرن التاسع عشر، مع زيادة أعداد المجلات النسائية الصادرة بالإنجليزية والفرنسية، التي تستهدف بشكل الأساسي نساء الطبقة العليا، ثم ظهرت مجلات نسائية تخاطب نساء الطبقة المتوسطة في النصف الثاني من القرن، وكانت تولي اهتمامًا للمنزل وإدارة شؤونه أكثر من الاهتمام برفاهيتهن.
على الجانب الآخر، بدأت الصحافة النسائية العربية في نهاية القرن التاسع عشر، وتحديدًا في العام 1892 على أرض مصر، عندما قررت المهاجرة اللبنانية هند نوفل أن تطلق مجلة «الفتاة» في مدينة الإسكندرية المصرية، لتخاطب من خلالها النساء، عبر منشورات تساهم في تثقيفهن.
فتحت مجلة «الفتاة» الباب أمام صدور العديد من المجلات النسائية في مصر، سواء على أيدي نساء مصريات أو شاميات. وفي العام 1909، صدرت أول مجلة نسائية في لبنان وهي «الحسناء»، ثم ظهرت أول مجلة نسائية في سوريا في العام 1910، وهي «العروس».
استمر بعد ذلك صدور المجلات النسائية في البلدان الثلاثة، بينما لم تظهر أي مجلة نسائية عربية خارج هذا النطاق حتى العام 1923، عندما قررت بولينا حسون أن تطلق أول مجلة نسائية في العراق.
فتاة العراق التي أضحى اسمها «ليلى»
بدأت تراود بولينا حسون فكرة تدشين مجلة نسائية بعد أن رأت صعود الصحافة النسائية في مصر والشام، وأدركت أنها قد صارت أحد أعمدة حركة تحرير المرأة آنئذ، وأن المحتوى الذي تنشره المجلات النسائية لا يقل أهمية وتأثيرًا، عن النشاط الذي تقوم به الجمعيات النسائية والنسوية للنهوض بوضع المرأة.
شرعت بولينا في الإعداد لإطلاق مجلة تحمل اسم «فتاة العراق»، لتكون أول مجلة نسائية متخصصة في بلادها، ولكن قبل فترة قصيرة من إصدارها قررت أن تغير اسمها إلى «ليلى»، وبحسب ما جاء في افتتاحية العدد الأول لمجلتها، فقد اهتدت بولينا إلى هذا الاسم، بعد استماعها إلى الشاعر العراقي جميل صدقي الزهاوي، ينشد أبياتًا من شعره، وقد جاء في أحدها «وأني بليلى مغرم وهي موطني.. وعليّ أقضي في غرامي بها نحبي.»
أصدرت بولينا حسون العدد الأول لمجلتها الشهرية في الـ15 من أكتوبــر في العام 1923، وقد صدر لـ«ليلى» 20 عددًا فيما بين العامين 1923 و 1925، إلى أن توقف إصدارها بعد هجوم ضارٍ واجهته بولينا بسبب مجلتها ونشاطها النسوي، إذ أنها واحدة من مؤسسات اتحاد النهضة النسائية في بغداد، الذي تم تدشينه في نهاية العام 1923، بهدف النهوض بوضع النساء العراقيات، ودعم حقهن في التعليم والعمل.
وقد جاء في ترويسة المجلة «مجلة نسائية شهرية تبحث في كل مفيد وجديد، مما يتعلق بالعلم والفن والأدب والاجتماع وتدبير المنزل»، ويكشـف الغلاف الأمامي للمجلة أن طباعتها كانت في دار الطباعة الحديثة في بغداد، التي يملكها والد بولينا الأديب والصحافي سليم حسون.
عرّفت بولينا مجلة «ليلى» في غلافها الخلفي بأنها «أول مجلة نسائية صدرت في العراق، وأنها تبحث في كل مفيد وجديد مما يتعلق بالعلم والفن والأدب والاجتماع، ولا سيما تهذيب الفتاة وتربية الأولاد وصحة الأسرة وسائر ما يختص بتدبير المنزل.. وُضِعت للأسر لا سيما العراقية لإفادة وتفكهة الرجال والنساء والأولاد.»
نشرت المجلة في أعدادها العشرين، موضوعات تطرق إلى شتى القضايا الاجتماعية والثقافية، وكان لها اشتباكات مع الفن، والأدب، والصحة، والتاريخ، مع بروز اهتمام خاص بالتاريخ الأمريكي، بالإضافة إلى تخصيص أبواب لمقتطفات من الصحف والمجلات وللأقوال المأثورة، ومقالات أقرب إلى النصح والإرشاد لربات المنازل بغية الحفاظ على العلاقات داخل الأسرة.
كما خصصت «ليلى» بابًا للشعر بعنوان «رنات الأوتار السحرية»، وبمراجعة 15 عددًا للمجلة، لم تظهر بين القصائد المنشورة في هذه الأعداد أي قصيدة لشــاعرة، بينما حضرت قصائد لشعراء مثل: اللبناني حليم دموس، والمصري حافظ إبراهيم، والعراقي معروف الرصافي، واللبناني نقولا رزق الله، والعراقي جميل صدقي الزهاوي، واللبناني فيليكس فارس.
وبشكل عام، يتجاوز المحتوى المنشور في مجلة «ليلى» السياق المحلي، وينجلي الحرص على متابعة الحِراك النسوي في مصر ولبنان وسوريا، وبالأخص الحِراك المصري الذي شهد زخمًا قويًا في أعقاب الثورة الشعبية التي اندلعت في العام 1919، ولم تكن المتابعة تقتصر على نقل أخبار كل حِراك على حدة، وإنما تشمل التعليق عليها وإبداء الرأي بشأنها.
بالإضافة إلى ذلك، اهتمت المجلة بشكل واضح بنشر ترجمات لأخبار عن النساء في الدول الغربية، وتعريب مقالات إنجليزية إما عن النساء أو بأقلامهن.
في افتتاحية العدد الأول لـ«ليلى»، كتبت بولينا حسون تقول: يفتكر بعضهم أن ظهور مجلة نسائية في العراق، من الكماليات التي لا حاجة إليها الآن، وأن المناداة بنهضة المرأة العراقية نفخ في رماد، فهؤلاء وأمثالهم يعتادون إطفاء الأرواح، ولعلهم من بقايا «الوائدين».
وتضيف بولينا في افتتاحية العدد الأول قائلة: إنها أول مجلة نسائية توفقت فتاة عراقية لإصدارها، فهي تفتخر بذلك، ثنية على كل من دفعته النخوة إلى تنشيطها.
تكشف مراجعتنا لـ15 عددًا من الأعداد العشرين لـ«ليلى»، أن أغلب المقالات التي نشرتها المجلة، كانت لصحافيين وأدباء ذكور، ويتصل هذا بنظرة المجتمع حينئذ للنساء اللاتي يكتبن للصحافة، وتخوف السواد الأعظم منهن من النشر بأسمائهن، ولذلك شاعت في ذلك الوقت ظاهرة التوقيع بألقاب تخفي هوية الكاتبات، أو بأسماء رجال.
ويضم العددان الرابع والخامس لـ«ليلى» مقالًا تم تقيسمه إلى جزأين، تحت عنوان «حياتنا الاقتصادية»، وهو من منشورات نادرة في المجلة تحمل توقيعًا نسائيًا عربيًا عليها.
كتبت المقال الأديبة اللبنانية سلمى الصائغ، وقد انتقدت في الجزء الأول منه، المنشور في العدد الصادر في الـ15 من يناير في العام 1924، المحاولات المستمرة لعزل النساء في لبنان وسوريا، ووضعهن في موضع المتفرج على ما يدور في المجتمع، محرومات من التفاعل مع ما يجري، حتى بعد خروجهن للعمل سواء كن في الريف أو الصحراء أو المدينة، وإذا كن من الطبقة الفقيرة أو الطبقة المتوسطة. كما تناولت في الجزء ذاته الافتقار إلى الاستقلال والحرية الاقتصادية، وتبعاتهما على الوضع السياسي لسوريا ولبنان.
وتتناول سلمى الصائغ في الجزء الثاني، المنشور في العدد الصادر في الـ15 من فبراير في العام 1924، العلاقة بين الديون التي تتحملها بلاد الشام (سوريا ولبنان) من ناحية وتأخر شعوبها من ناحية أخرى، مشددةً على أهمية الإنتاج المحلي، بدلًا من إثقال البلاد بالاستيراد المستمر من الأسواق الأوروبية وإغراقها في الديون.
بدءًا من عددها الصادر في يناير من العام 1925، خصصت «ليلى» بابًا بعنوان «مسامرات السيدات»، لنشر أخبار ومقالات عن النساء أو مكتوبة بأيديهن، بعد ترجمتها من الإنجليزية إلى العربية، وذلك استجابة لاقتراح من قارئاتها بتخصيص باب لأخبار متنوعة عن النساء في شتى البلدان.
وقد جاء في تقديم بولينا حسون لهذا الباب: طلبت منا بعض السيدات والأوانس أن نفرز «بابًا كبيرًا» لوقائع وأخبار نسائية متنوعة، فلبينا الطلب، وها أننا نقدم هنا ما وقفنا عليه في صحف العالم السيارة من الحوادث والأخبار الجديدة الملائمة المقام.
ما الذي تكشفه «ليلى» عن الحِراك النسوي في العراق؟
كانت المجلات النسائية المستقلة التي تطلقها وتحررها النساء، لا سيما هؤلاء المنخرطات في الحِراك النسوي مثل بولينا حسون، تعكس بدرجة كبيرة اتجاهات الحركات النسوية، ومطالبها، وأولوياتها. وفي هذا السياق، يبدو الخطاب الذي تبنته «ليلى» أكثر تحفظًا من الخطاب الغالب في المجلات النسائية التي كانت تصدر في مصر، خاصة فيما يتعلق بقضية نزع الحجاب، وحق النساء في العمل، فضلًا عن حقوقهن السياسية.
وفي عددها التاسع الصادر بتاريخ 15 يونيو من العام 1924، نشرت بولينا حسون مقالًا بعنوان «حرية نسائية جديدة للمصريات»، يعدد بعض إنجازات الحركة النسوية في مصر آنذاك، ومنها الخروج إلى المجال العام والمشاركة في الحياة السياسية في أعقاب ثورة العام 1919، وتأسيس لجنة السيدات بحزب الوفد المصري الذي كان يرأسه سعد زغلول، ثم تأسيس الاتحاد النسائي المصري على يد هدى شعراوي، مشيرةً إلى أحد أهم إنجازات الاتحاد، وهو نجاحه في إقناع الحكومة المصرية في العام 1923 بتعديل قانون المحاكم الشرعية، وتحديد سن أدنى للزواج (16 عامًا للفتاة و18 عامًا للفتى)، إلا أن المقال ذاته ينتقد تحرر المصريات من الحجاب، وهي الخطوة التي سبقت النساء في مصر نظيراتهن في المنطقة العربية إلى الإقدام عليها، وقد ساهمت حينها في تقدم الحركة النسوية المصرية، وكانت عاملًا من العوامل الرئيسة التي قادت المصريات إلى اقتحام العديد من مجالات العمل التي لم يسبق أن دخلتها النساء، وكانت حكرًا على الذكور سواء في الدول الناطقة بالعربية أو في القارة الأفريقية.
وفي مقدمة المقال تقول كاتبته: لا بأس أن نقتدي بالغربيين في الحياة الاجتماعية، ولكن على شرط أن نعمل عمل النحلة، أي أن نأخذ ما ينشأ عنه الشهد الحلو، لا نتواقع على السم متهورين «مدهوشين»، ولما كانت المرأة الحياة الاجتماعية ومبدأها، فالواجب أن نأخذ من الحياة الغربية ما فيها من التمدن الحقيقي؛ كالتهذيب التام، واتقان التدبير المنزلي، وحسن تربية الأطفال وغير ذلك. لا ما يبهر عينيها من التبرج، والحرية الزائدة، ومساواة الرجل في أشياء لا تناسب حالة المرأة الحقيقية.
وتواصل قائلة: فإن النساء التركيات «الكماليات» طفرن الآن طفرة خطرة لا ندري هل «يخرجن منها سالمات». وها هن المصريات المسلمات المراقبات التركيات عن كثب، قد تحفزن لإحداث تطور جديد في حالتهن الاجتماعية، على الأساليب التركية والفرنجية…
استخدمت بولينا كلمة «الكماليات» لوصف النساء التركيات، اللاتي أيدن الحركة الكمالية العلمانية، التي أسسها كمال الدين أتاتورك، رئيس الجمهورية التركية في ذلك الوقت، بهدف فصل الدين عن الدولة، وإلغاء مظاهر الحكم الإسلامي التي كانت قائمة قبل إسقاط الخلافة العثمانية، وقد وضعت بولينا الوصف بين قوسين، وهو ما قد يُخلف انطباعًا بأنها أن كانت ترى تحرر النساء في تركيا من القيود التي كبلتهن في عصر الخلافة، ما هو إلا تبعية لكمال أتاتورك. وفي حقيقة الأمر، فإن الحركة النسوية التركية تعود جذورها إلى بداية القرن العشرين، عندما بدأ تأسيس المنظمات النسائية التي تطالب بالمساواة التامة في الحقوق المدنية بين النساء والرجال، ثم وجدت الحركة بعد تأسيس الدولة التركية الحديثة على يد أتاتورك، الفرصة سانحة لتحقيق غاياتها، خاصة أن الدولة الجديدة فتحت ذراعيها أمامها وذللت لها السبل.
وفيما يخص قضية حقوق النساء السياسية؛ يثبت أرشيف الصحافة المصرية وجود مقالات تطالب بصراحة وبوضوح في العشرينيات، بحق النســاء في الانتخاب والترشح، ومنها المقالات التي نشرتها منيرة ثابت في جريدة الأهرام المصرية في العام 1924، وذلك في وقت كان تعديل قانون الانتخاب مطلبًا من المطالب الرئيسة على أجندة الحركة النسوية في مصر، مما دفع بحزب الوفد الفائز بالأغلبية في انتخابات البرلمان التي انعقدت في العام 1924، إلى فتح شرفة الزوار لاستقبال ممثلات عن النساء المصريات، للمشاركة في جلسات البرلمان كمستمعات ومتابعات للنقاش الدائر فيها، في محاولة – فاشلة – من الحزب وزعيمه سعد زغلول لإخماد مطالب تعديل قانون الانتخاب.
في المقابل، كتبت بولينا حسون في العدد الثامن من مجلة «ليلى»، الصادر بتاريخ 15 مايو من العام 1924، مقالًا بعنوان «النساء في برلمانات الغرب» استعرضت من خلاله تمثيل النساء في المجالس التشريعية لعدد من الدول الغربية، وأتبعته بمقدمة كتبتها لمقال أرسله للمجلة السياسي يوسف غنيمة عضو المجلس التأسيسي العراقي، الذي تم انتخابه لصياغة الدستور ولتشريع قانون للانتخابات البرلمانية، وقد عنونت هذا المقدمة بـ «على ذكر النساء في البرلمانات»، وقالت فيها: على ذكر النساء في البرلمانات سألت حضرة البحاثة يوسف أفندي غنيمة، المندوب عن بغداد في مجلسنا التأسيسي أن يجود على «ليلى» بتاريخ هذه الحركة العظيمة، وأن يبدي رأيه فيما سيكون نصيب المرأة العراقية من تلك الحركة في المستقبل البعيد، لأن نصيبها في الحاضر معلوم، ويا للأسف، وأما مستقبلها القريب فليس لنا أن نؤمل منه سوى أن تحصل المرأة على شيء من التهذيب الحقيقي لا غير.»
كذلك نجد في العدد الصادر في شهر يوليو من العام 1925، مقالًا كتبته بولينا بعنوان «بمناسبة التئام أول برلمان عراقي.. هل لنا حصة في ذلك؟» وعلى الرغم من أن العنوان يوحي بأن الكاتبة تقصد المطالبة بحصة من مقاعد البرلمان للنساء، يتبين في ثنايا المقال أن ذلك لم يكن مرادها، وإنما قصدت المطالبة بتخصيص «ما يكفي في الميزانية لفتح مدارس أخرى للفتيات ولترقية تهذيبهن»، على حد تعبيرها.
ويسترعي الانتباه إشارة الكاتبة في مقالها إلى مصر باعتبارها نموذجًا للتقدم في مجال تعليم الفتيات، إذ تقول: انظروا يا سادتنا الفضلاء إلى مصر وما تعمله من الأعمال العظيمة في سبيل ترقية الفتاة، ولا بد أنكم قرأتم في الصحف الأخبار الأخيرة عن سعي وزارة المعارف إلى تعميم التهذيب وترقية التربية الإناثية بتكثير المدارس الأولية الابتدائية والثانوية، وبإرسال البعثات العلمية الإناثية إلى أوروبا، وبفتح روضات الأطفال وإدارتها على الأساليب العصرية…
«ليلى» تقود إلى تأسيس أول اتحاد نسائي في العراق
لعبت مجلة «ليلى» دورًا في تنشيط الحركة النسوية في العراق، وكانت السبب في تأسيس أول اتحاد نسائي في العراق، ويكشف العدد الثالث للمجلة الصادر في 15 ديسمبر من العام 1923، أنها كانت المحفز لتأسيس اتحاد نهضة المرأة العراقي، على أيدي خمس سيدات إلى جانب بولينا حسون صاحبة ومحررة المجلة التي قالت في إعلانها عن تدشين الاتحاد: إن الحديث يدور اليوم في المنازل، كما يدور في المنتديات والصحف على مسألة نهضة المرأة التي فتحتها مجلة «ليلى» وتخصصت بإنشائها وخدمتها، معتمدةً على حمية الوطنيين والوطنيات، وقد رحب بها وحبذها كل ذي دماغ مفكر، ونظرٍ صاف، وقلب شاعر.
وفي هذا الإعلان قدمت بولينا للرأي العام النساء اللاتي شاركنها تأسيس الاتحاد، ولكن من دون أن تذكر اسم أي منهن، إذ استخدمت ألقاب من عينة عقيلة فلان، وكريمة فلان، وأخت فلان.
كان هذا التقليد شائعًا في مختلف الدول العربية خلال النصف الأول من القرن العشرين – وإن كان بدرجة أقل في مصر وسوريا ولبنان – إذ كانت النساء أنفسهن يفضلن الإعلان أو التعريف بهن على الملأ بالانتساب إلى ذويهن، تحاشيًا للوصم والإساءة لهن ولأسرهن، إذا كشفن عن أسمائهن الأولى للعوام.
وتوثيقًا لإنجازهن العظيم، نتذكر هؤلاء السيدات كما عرفتهن بولينا حسون: السيدة عقيلة عبد الرحمن باشا الحيدري، وعقيلة نوري باشا السعيد وزير الدفاع، وعقيلة جعفر باشا العسكري رئيس الوزراء، وعقيلة أحمد باشا داوود، وأخت الأستاذ الزهاوي (غير معلوم إن كان المقصود هو الشاعر جميل صدقي الزهاوي أو شخص آخر)، وكريمة جعفر بك.
بعد أن استعرضنا جزءًا مما جادت به مجلة «ليلى»، وحاولنا استقراء الدلالات الكامنة في محتواها، وما تعكسه منشوراتها عن واقع النساء العراقيات في العشرينيات، لا يسعنا سوى أن نؤكد ونشدد على أن صدور هذه المجلة كان وسيظل إنجازًا عظيمًا بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فقد حركت بشعارها «في سبيل نهضة المرأة العراقية» الماء الراكد في العراق، وبثت الروح في أول كيان نسائي نسوي في بلادها، وكل ذلك ما كان ليتحقق لولا عزم وجسارة بولينا حسون التي تحدت بإباء الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، لتصدر أول مطبوعة نسائية في بلاد الرافدين، ولتحافظ على وجودها واستمرارها قدر ما استطاعت.