كتبت: شهد مصطفى

في مارس من العام 2007، نشرت مجلة Orphanet المتخصصة في نشر معلومات عن الأمراض النادرة، دراسة تفيد بأن امرأة واحدة من كل 4500 امرأة حول العالم، تولد برحم ومهبل غير مكتملين، أو من دون رحم تمامًا وما يعادل ثلث المهبل الطبيعي، وبعنق رحم ضيق أو من دونه.

تُعرَف هذه الحالة باسم «متلازمة ماير روكيتانسكي كوستر هاوزر»، والأسماء الأربعة هي للأطباء الذين اكتشفوها، ونتيجة لطول الاسم، فقد جرى اختصاره إلى «متلازمة MRKH» أو «متلازمة روكيتانسكي».

تتمتع الفتيات المولودات بهذه المتلازمة بأعضاء تناسلية خارجية مكتملة وتظهر عليهن علامات البلوغ الظاهرية مثل نمو الأثداء وشعر العانة والإبط، ولذلك فإنهن في أغلب الأحيان، يعرفن بالأمر في الفترة العمرية من 15 إلى 18 عامًا، عندما تلاحظ أسرهن تأخر الدورة الشهرية ويصطحبنهن إلى الأطباء لمعرفة السبب وراء ذلك.

وهناك نوعان من متلازمة روكيتانسكي؛ الأول وهو الأكثر شيوعًا بين من يتم تشخيصهن بالمتلازمة، يتسبب في عدم اكتمال نمو الأعضاء التناسلية الداخلية، أما النوع الثاني يصحبه غياب أو مشكلات في تكوين الكلى أو المسالك البولية أو الهياكل العظمية أو القلب.

ولا يزال السبب الدقيق لمتلازمة MRKH غير معروف، ولكن البحث المستمر بدأ في تقديم أدلة ترجع الأمر إلى تغير يطرأ على الجينات، إلا أنه لم يتم الـجزم حتى الآن ما إذا كان نتيجة عوامل وراثية أو بيئية.

تتمثل تبعات متلازمة MRKH في عدم القدرة على ممارسة الجنس أو التعرّض لآلام شديدة أثناء الممارسة، بالإضافة إلى عدم إمكانية الحمل. لكن مع التقدم العلمي والطبي ظهرت حلول لهذه المشكلات، فأصبح باستطاعة النساء ممارسة الجنس إذا قمن بتوسيع المهبل ذاتيًا بعد إتباع إرشادات الطبيبة أو الطبيب، كما يمكنهن إجراء عمليات جراحية لخلق أو رتق المهبل، وتكوين وتطوير عنق الرحم، وزرع الرحم.

وبحسب دراسة نشرتها مجلة The Lancet الطبية في العام 2014، فقد نجح أطباء أمريكيون في الفترة من مايو في العام 2005 إلى أغسطس في العام 2008، في تطوير أرحام لأربعة فتيات في العاصمة المكسيكية مكسيكو سيتي، باستخدام أنسجة من الأجزاء الخارجية لأجهزتهن التناسلية، ثم أجروا بعد ذلك عمليات جراحية لزرع هذه الأرحام المُطوّرة داخل أجسادهن. وقد أظهر استبيان لتحديد مؤشر الوظائف الجنسية لهؤلاء الفتيات، بعد سنوات من عمليات الزرع، أنهن جميعًا يشعرن بالرغبة والاستثارة الجنسية بشكل طبيعي، ويمارسن الجنس من دون الشعور بآلم، ويصلن إلى النشوة.

أما أول عملية لنقل رحم من امرأة متطوعة إلى أخرى ولدت بمتلازمة MRKH، فقد أجريت في السويد في العام 2014.

عادةً ما تمتلك النساء اللاتي ولدن بمتلازمة MRKH مبايض تنتج البويضات بشكل طبيعي، ولذا تختار بعضهن الركون إلى «الأم البديلة»، حيث يتم زرع واحدة أو أكثر من بويضاتهن المخصبة اصطناعيًا في رحم نساء متطوعات لحمل الأجنة.

وهناك نساء يقررن طواعية أن يتعايشن مع المتلازمة من دون اللجوء إلى أي من هذه الإجراءات، بينما تضطر أخريات إلى ذلك نظرًا لارتفاع تكلفتها المادية، أو لأن القوانين في بلدانهن تمنع إجراء هذه العمليات وتحظر الاعتماد على أم بديلة.

الذكورية تلقي بظلالها

لا يزال الوعي بمتلازمة روكيتانسكي محدودًا، وفي ظل سيادة القيم الذكورية التي بدورها تختزل المرأة في جهاز تناسلي وتختصر وجودها في ممارسة الجنس والإنجاب وتجعل رعاية الأسرة مهمتها الأولى، فإن الفتيات عندما يعلمن بأنهن لا يملكن جهازًا تناسليًا داخليًا أو يعشن بجهاز غير مكتمل، يشعرن بنقص عن غيرهن ويتشككن في ماهية جنسهن، وقد يؤدي ذلك إلى عزلتهن النفسية، خاصة أن انخفاض مستوى المعرفة بهذه المتلازمة، غالبًا ما يعرضهن للعنف اللفظي والإيذاء النفسي والإقصاء الاجتماعي.

وقد كشف بحث نشر في أكتوبر من العام 2014، بعنوان «استكشاف التأثير النفسي لمتلازمة ماير – روكيتانسكي – كوستر – هاوزر على الشابات: تحليل الظواهر التفسيرية»، أن النساء اللاتي شاركن في البحث وتم تشخيصهن بالمتلازمة خلال العشر السنوات السابقة لنشره، ظهرت عليهن اضطرابات القلق، وضعف الثقة بالنفس، وأعراض الذهان، بالإضافة إلى معالم واضحة للاكتئاب.

في الأوصاف الشائعة عنف أيضًا

استخدام أوصاف كالمصابات والمريضات والمتضررات عند الحديث أو الكتابة عن النساء اللاتي يولدن بهذه المتلازمة حتى إن كان الأطباء يستخدمونها، يساهم في تعزيز التصوّر النمطي بأنهن يفتقرن إلى ما يجعلهن نساء طبيعيات، ويزيد من شعورهن بالاختلاف بمفهومه السلبي وليس الإيجابي، وهو ما يدفع كثيرات منهن إلى إخفاء الأمر حتى عن أصدقائهن المقربين، مثلما أشارت مشاركات في البحث المشار إليه سلفًا.

في ضوء ذلك، يتضح جليًا أنه لا يجب الاكتفاء بالتعامل مع متلازمة MRKH في السياق الطبي وحده متجردًا عن الواقع الاجتماعي المحيط بالنساء، الذي تسود فيه ثقافة تختزلهن في أجساد لا يميزها سوى جهاز تناسلي أهميته تكمن في الحمل والإنجاب.