يستحق المشاهدة- أول فيلم باكستاني لـ «نتفليكس»: «سيتارا».. قصة ملايين الطفلات مع التقاليد التي تعصف بأحلامهن
أصدرت شبكة نتفيلكس (NETFLIX) في شهر مارس الماضي، فيلم «سيتارا: دع الفتيات يحلمن» أو «Sitara: Let girls dream» للمخرجة الباكستانية الحاصلة على جائزتي أوسكار شارمين عبيد تشينوي، وهو فيلم رسوم متحركة قصير، يتعرض لقضية تزويج القاصرات، وبالتحديد في باكستان التي يعيش على أرضها أكثر من 107 مليون امرأة.
«سيتارا» هو أول فيلم باكستاني يتم إنتاجه لصالح منصة نتفليكس (NETFLIX)، وقد نفذته المخرجة شارمين عبيد من خلال شركة الوادي لأفلام الرسوم المتحركة التي أسستها في باكستان، وتعاونت مع استديو آبي روود في بريطانيا لتسجيل الموسيقى الخاصة بالفيلـم.
حاز فيلم «سيتارا» على إشادات نقدية منذ بدء عرضه في الثامن من مارس الماضي بالتزامن مع اليوم الدولي للمرأة، كما حصد ثلاث جوائز من مهرجان لوس أنجلوس الدولي لأفلام الرسوم المتحركة في شهر ديسمبر الماضي، وهي جائزة أفضل سيناريو، وجائزة أفضل موسيقى، بالإضافة إلى جائزة الإنسانية.
كلمة «سيتارا» تعني في اللغة الهندية النجمة الساطعة، ويكثر استخدامها كاسم للبنات في البلدان الناطقة باللغتين الهندية والأردية.
أحلام تصطدم بحائط التقاليد
خلال 15 دقيقة، نتابع قصة باري التي تبلغ من العمر 14 عامًا، وتتوق إلى التحليق في السماء. وفي المشهد الأول، تظهر باري على سطح المنزل الذي تعيش فيه مع أسرتها في مدينة لاهور الباكستانية، وهي تصنع طائرتين من الورق لها ولشقيقتها الصغرى مِهر، ثم تدفع كل منهما بطائرتها في الهواء، فتحلق الطائرتان بعيدًا إلى أن تصطدم طائرة باري بقدم أبيها، بما يمثل إرهاصة مرئية لما ستلاقيه الفتاة فيما بعد على يد هذا الرجل.
لا يفارق باري حلم الطيران، فهي لا تكف عن صناعة الطائرات الورقية وتسارع كلما سنحت الفرصة للصعود إلى سطح منزلها مصطحبة شقيقتها مِهر، لرؤية هذه الطائرات الورقية تحلق في السماء، إذ يتجسد فيها حلمها بأن تصبح طيّارة تقود طائرة كبيرة، مثل الطيارة الأمريكية أميليا إيرهارت التي تحتفظ في غرفتها بكتاب عنها.
إيميليا إيرهارت هي واحدة من الطيارات الأوليات في العالم، وحققت إنجازًا عظيمًا عندما أضحت أول امرأة تطير بمفردها عبر المحيط الأطلنطي.
الطيران ليس مجرد مهنة تطمح باري أن تمتهنها، وإنما هو معانقة للحرية التي تفتقدها، فالقيود المفروضة عليها وعلى كثير من الفتيات تحرمهن من حقهن في التعليم، وتزرع داخلهن الخوف، وتبعثر أحلامهن.
تتجلى هذه القيود بوضوح عندما يتبدد حلم باري كليًا، بعد أن يقرر الأب تزويجها من رجل يكبرها بسنوات عديدة، وتُظهِر المخرجة شارمين عبيد البنية الهرمية للأسرة، ومدى سطوة الأب على مصائر أفرادها، إذ لم تستطع الأم حماية ابنتها من المصير الذي قرره الأب لابنته رغم اعتراضها عليه.
ينتهي الفيلم بانكسار أجنحة الحلم بعد تزويج باري قسريًا، إلا أن المخرجة اختارت ألا تغلق أبواب الأمل نهائيًا، حيث جعلت التتر الختامي يتضمن رسومًا تصوّر شقيقتها مِهر وقد تمكنت من تحقيق حلم الطيران، بعد أن أدرك الأب الخطأ الذي ارتكبه بحق ابنته الكبرى، وقرر أن يترك الصغيرة تستكمل دراستها وتحقق الحلم الذي حرم شقيقتها منه.
لكن هذه النهاية المضافة تفتقر إلى الواقعية على عكس القصة نفسها، فضلًا عن أنها قد تعكس نوعًا من التساهل مع هؤلاء الرجال الذي يدمرون حيوات ملايين الفتيات حول العالم. وفي الواقع، فإن مصير باري هو مصير كثير من الفتيات الباكستانيات حتى الآن، إذ تكشف منظمة الأمم المتحدة للطفولة (UNICEF) أن باكستان هي السادسة في الترتيب بين دول العالم التي يزيد فيها انتشار تزويج القاصرات، إذ يقترب عدد الفتيات اللاتي تم تزويجهن قبل إتمام الثامنة عشرة من 2 مليون فتاة.
الموسيقى كبديل للحوار
تفضيل المخرجة شارمين عبيد أن يكون فيلم «سيتارا» صامتًا، جعل الموسيقى والتعبيرات التي ترتسم على الوجوه هما الراوي، وهو ما يساهم في زيادة التماهي الإنساني مع القصة لدى المشاهدات والمشاهدين، ويساعد في أن تكون الرسالة أبلغ وأعم من أن تقتصر على السياق الباكستاني، خاصة أن تزويج القاصرات ظاهرة عالمية، إذ تشير الأرقام الأممية إلى أن هناك فتاة متزوجة بين كل خمس فتيات أعمارهن أقل من 18 عامًا في شتى أنحاء العالم، فضلًا عن تزويج 12 مليون فتاة حول العالم سنويًا قبل أن يبلغن الثامنة عشرة.
وضعت الموسيقى التصويرية للفيلم المؤلفة الموسيقية الأمريكية لورا آن كاربان، الحاصلة على جائزتين من أشهر الجوائز الفنية في الولايات المتحدة والعالم، وهما الغرامي والإيمي، وقد نجحت لورا في صناعة مقطوعات موسيقية قادرة على أن تعبر عن مشاعر الشخصيات وتلعب دور الكلمات غير المنطوقة في كل مشهد.
شارمين عبيد تواصل النبش في قضايا العنف ضدهن
«سيتارا: دع الفتيات يحلمن» هو تجربة جديدة للمخرجة الباكستانية شارمين عبيد تشينوي، في سلسلة تجاربها السينمائية التي تتناول ظواهر العنف ضد النساء، وبالأخص الأكثر انتشارًا في باكستان، فقد سبق أن قدمت الفيلم الوثائقي القصير «إنقاذ وجه» الذي يتتبع رحلة ناجيتين من الحرق بالمواد الحمضية، بحثًا عن العدالة وسعيًا إلى التعافي. وقد حصدت شارمين عن هذا الفيلم جائزة الأوسكار لأفضل فيلم وثائقي قصير في العام 2012، لتصبح أول مخرجة باكستانية تحصل على جائزة من جوائز الأوسكار.
كما قدمت شارمين فيلمًا وثائقيًا بعنوان «فتاة في نهر: ثمن الغفران»، حصدت عنه أيضًا جائزة الأوسكار في العام 2016، وقد تناولت من خلاله قضية جرائم القتل بزعم الدفاع عن الشرف في باكستان التي تُقتَل فيها سنويًا 1000 امرأة على خلفية هذه الجرائم. وفي هذا الفيلم، تتبع المخرجة قصة فتاة في التاسعة عشرة من عمرها، نجت من محاولة قتل بزعم الحفاظ على ما يسمى بـ «شــرف العائلة».
قبل صدور فيلم «سيتارا: دع الفتيات يحلمن»، قالت مخرجته شارمين عبيد تشينوي في مقطع مصوّر، إنه أكبر من مجرد فيلم، فهي تراه حركة تتمنى أن تنطلق في جميع أنحاء العالم، من أجل تشجيع الآباء على الاستثمار في أحلام بناتهم وحثهم على تحرير بناتهم من أعباء التزويج المبكر.