يغيب عن التعاطي الدولي مع جائحة كورونا، البُعد الجندري لهذا الخطر المتصاعد، وحتى الآن لم تُطرَح أي حلول حساسة للنوع الاجتماعي في مواجهة الأزمة التي تزداد خطورتها ساعة بعد الأخرى.

كشفت مجلة «The Lancet» إحدى أقدم وأشهر المجلات الطبية في العالم، في دوريتها الصادرة بتاريخ 14 مارس من العام 2020 ، أن السياسات والجهود في مجال الصحة العامة لم تكترث إلى تأثير اختلاف النوع الاجتماعي في ظل أزمات تفشي الأمراض، مؤكدةً أن رد الفعل إزاء انتشار فيروس كورونا لا يبدو مختلفًا.

وبحسب المجلة، فإنه لم يصدر أي تحليل جندري لأزمة انتشار فيروس كورونا المعروف باسم COVID-19، سواء عن مؤسسات صحية دولية أو حكومات في البلدان المتضررة والبلدان التي تستعد لما هو قادم لا محالة. لكن الحقيقة الأكيدة هي أن  هذا الوباء يحمل معه تحديات كبيرة للنساء، ومعه تزيد المخاطر التي يواجهنها يوميًا.

النساء في مواجهة خطر مُضاعف ومتعدد المصادر

هناك عدد من الحقائق الجلية التي تثبت أن انعكاسات انتشار فيروس كورونا في نحو 175 دولة حتى الآن، أشد على النساء من الرجال، ولعل أكثرها وضوحًا هي وجودهن على الخطوط الأمامية في مكافحة انتشار الفيروس، إذ تمثل النساء 70 في المئة من مقدمي الخدمات الصحية في 104 دولة، أغلبهن في قطاع «التمريض» بحسب بيانات منظمة الصحة العالمية (WHO)، مما يمثل خطورة أكبر عليهن حيث تزيد احتمالية إصابة أطقم التمريض بالفيروس عن غيرهم، نظرًا لاختلاطهم بالمرضى لفترات أطول.

جدير بالذكر أن بيانات منظمة الصحة العالمية، تكشف أيضًا أن العاملات في هذا القطاع يتقاضين أجورًا أقل من نظرائهن الرجال بنسبة تصل إلى 11 في المئة.

فضلًا عن ذلك، تجد النساء أنفسهن أمام مزيد من الأعباء غير المدفوعة في ضوء الإجراءات الاحترازية والوقائية التي تتخذها الحكومات، إذ أنهن من يتحمل مسؤولية 75 في المئة من العمل المنزلي وأعمال الرعاية غير مدفوعة الأجر حول العالم، وذلك وفقًا لبيانات هيئة الأمم المتحدة للمرأة (UN WOMEN).

كما تؤكد أرقام منظمة العمل الدولية (ILO) على العبء الذي ينوء به كاهل النساء، إذ تكشف أن نحو 76.2 في المئة من إجمالي ساعات أعمال الرعاية غير مدفوعة الأجر هي من نصيبهن، أي ما يقترب من ثلاثة أضعاف الوقت الذي يقضيه الرجال يؤدون الأعمال نفسها، ولذلك فإن تعليق الدراسة في المدارس يعني وقوع النساء تحت ضغط نفسي وجسدي أكبر، لأنهن المسؤولات بشكل رئيس عن الأطفال وشؤونهم.

وفي إطار المحاولات مترامية الأطراف التي تقوم بها الحكومات لكبح جماح الأزمة، فقد فرض أغلبها الحجر الصحي باعتباره السبيل لتخليص مئات الملايين من الفتك بهم، إلا أن فرض الحجر المنزلي له رديف لم تلتفت إليه أي جهة تسعى إلى درء فيروس كورونا، وهو العنف المنزلي. إذ أن الحجر الوقائي الذي يلزم الأفراد بالمكوث في منازلهم لفترات طويلة، يُمثّل بيئة خصبة لجرائم العنف ضد النساء، فبينما تتسع المسافات بين الأفراد في الفضاء العام، تقل المسافات بين النساء والمعتدين والمعنفين داخل المنازل. وبحسب بيانات منظمة الصحة العالمية (WHO)، فإن واحدة من كل ثلاث نساء حول العالم تتعرض للعنف الجسدي أو الجنسي الذي غالبًا ما يكون مرتكبه هو الشريك الحميم، مما يعني أن ثلث نساء العالم الآن يعشن تحت خطر متزايد.

وإذا كان الهدف من الحجر الصحي هو تقليل احتمالية العدوى وانتقال الفيروس، فإن النساء لا يمكنهن الاستفادة الكاملة من هذا الحجر، إذ أن الثقافة المجتمعية ما فتئت تضع مهمة  شراء احتياجات المنزل على أعتاقهن، وبحسب دراسة بحثية صادرة في العام 2019، فإن نسبة النساء اللاتي يتحملن هذه المسؤولية تصل إلى 80 في المئة في بعض البلدان، ومن ثم تزيد إمكانية اختلاطهن بحاملي الفيروس وملامستهن للأسطح الملوثة.

مما لا شك فيه أن التوعية هي أحد الوسائل الرئيسة في مكافحة انتشار فيروس كورونا المعروف باسم (COVID-19)، ولذلك تكثّف وسائل الإعلام والمسؤولون عن إدارة الأزمة، حملات التوعية بالفيروس وطرق انتقاله وسبل الوقاية منه.

تشدد هذه الحملات على أهمية توخي الحذر فيما يخص الممارسات والعادات اليومية، وتؤكد على ضرورة الحفاظ على نظافة الأغراض التي يستخدمها الأفراد بشكل دائم مثل الحمامات والمراحيض، إلا أن هذه الرسائل تتجاهل حقيقة أن مثل هذه التدابير الوقائية تعد رفاهية لا تملكها نحو مليار امرأة حول العالم، وفقًا لبيانات منظمة Water Aid  الدولية التي كشفت أن هذا العدد الضخم من النساء ليس بوسعه الوصول إلى حمامات خاصة أو نظيفة أو آمنة. هؤلاء النساء مُعرّضات طوال الوقت للإصابة بالأمراض، ومع انتشار الفيروس تزداد بقوة احتمالية انتقاله إليهن.

هل هناك من سبيل لتخفيف وطأة الكارثة؟

لا تكشف فقط جائحة كورونا ضعف أنظمة الرعاية الصحية في كثير من الدول ومن بينها الدول المتقدمة، بل إنها تبرز حجم التمييز وغياب المساواة بين الجنسين في العالم كله، وهي حقيقة ليست جديدة، فقد سبق أن حاول أكاديميون إثبات العلاقة بين انتشار فيروسات إيبولا وزيكا وسارس وتفشي إنفلونزا الخنازير وإنفلونزا الطيور خلال السنوات العشرين الأخيرة من ناحية، والـتأخر الملحوظ في تحقيق المساواة بين الجنسين من ناحية أخرى.

لكن ذلك لم يلق صدى لدى الحكومات التي ما برحت مُصرّة على الفصل بين النوع الاجتماعي والقضايا الصحية، وتعرقل إدماج قضايا قضايا الجندر في شتى المناحي، وهو ما يتبدى تأثيره الوخيم الآن.

مع ذلك، لا يمكن القول بأنه لا سبيل نهائيًا للتخفيف من وطأة التبعات السلبية، فما زال بوسع المجموعات النسوية الضغط على الحكومات والمؤسسات الصحية من أجل إدراج هذه الإشكاليات – المشار إليها آنفًا – ضمن أولوياتها الرامية إلى الحد من انتشار فيروس كورونا وتجاوز الأزمة.

كما يمكن الاتجاه إلى الحلول القائمة على مبادرات مجتمعية، إذ تستطيع المنظمات والمجموعات النسوية أن تضاعف خدماتها بشأن الاستشارات والدعم النفسي عبر الهاتف والمواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي، ويمكن أيضًا تقديم دعم للنساء غير القادرات على الحصول على أدوات التطهير والتعقيم والحماية من العدوى، من خلال توجيه جزء من الأموال التي كانت مخصصة للنشاطات والفعاليات الميدانية التي ألغتها أغلب الجهات بسبب إجراءات التباعد الاجتماعي.

رغم إيقاف عمل المحاكم في أغلب البلدان المتضررة من الجائحة، لا يزال تقديم البلاغات لدى أقسام ومراكز الشرطة متاحًا، إلا أنه من الوارد جدًا في ضوء السياسات القائمة، ألا ينظر مستقبلو البلاغات إلى شكاوى العنف ضد النساء بجدية خاصة في الوقت الحالي. لكن الكثير من الدول تخصص هيئات تحت المظلة الرسمية للعمل على حماية النساء من العنف وتمكينهن وتنمية أوضاعهن مثل المجلس القومي للمرأة في مصر، والهيئة الوطنية لشؤون المرأة في لبنان، أو تضم حكوماتها حقيبة لشؤون المرأة، مثل فرنسا ونيوزيلاندا وألمانيا وماليزيا والهند وتونس وفلسطين، وجميعها يخصص أرقامًا هاتفية أو خطوطًا ساخنة لاستقبال شكاوى وبلاغات النساء بشأن حوادث العنف ضدهن.

هذه بعض الاقتراحات وهناك بالقطع أفكار وحلول أخرى وقد تكون أكثر نجاعة، إلا أنه لا يمكن الجزم بجدوى أي منها إلا في حال وصولها إلى جهات على استعداد لتبنيها ولديها قناعة بوجوب تنفيذها.

في مصر:

للإبلاغ عن حوادث العنف ضد النساء، تخصص وحدة مكافحة العنف ضد المرأة بوزارة الداخلية هذه الأرقام: 01126977222 – 01126977333 – 01126977444

ويخصص مكتب الشكاوى بالمجلس القومي للمرأة خطًا ساخنًا لاستقبال شكاوى وبلاغات النساء وهي: 15115