العنف ضد النساء في مصر.. إشكاليات تُبقي الوضع المأزوم على ما هو عليه – (1)
كتبت: آلاء حسن
أيام وتنطلق «الـ16 يومًا الدولية من النضال ضد العنف القائم على النوع الاجتماعي»، التي تبدأ سنويًا في الـ25 من نوفمبر بالتزامن مع اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة، وتستمر حتى الـ10 من ديسمبر الذي يصادف اليوم العالمي لحقوق الإنسان. وتأتي هذه الحملة الدولية بهدف تعبئة المجتمع المدني بالإضافة إلى الناشطات والناشطين والحكومات في شتى البلدان حول العالم، من أجل الوقوف على التقدم المحرز فيما يتعلق بمناهضة العنف ضد النساء، ومن ثم تحديد مدى فاعلية الأدوات المستخدمة في مواجهة المعوّقات الرئيسة، فضلًا عن استحداث وسائل أخرى لمواجهة المعوّقات الفرعية والعمل على تجاوزها.
وفي هذا الإطار، ننشر سلسلة من حلقتين ننظر فيهما من زوايا مختلفة، على عدد من ظواهر العنف التي تنتهك الحقوق الأساسية والأصيلة للفتيات والنساء المصريات.
تشويه الأعضاء التناسلية (ختان الإناث)
تُعرّف منظمة الصحة العالمية تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية (ختان الإناث) بأنه جميع الممارسات التي تنطوي على إزالة الأعضاء التناسلية الخارجية بشكل جزئي أو تام، أو إلحاق إصابات أخرى بتلك الأعضاء لأسباب غير طبية.
لفظيًا: الأصح هو وصف الجريمة بـ«تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية»، بدلًا من استخدام مصطلح «ختان الإناث» لأن الختان يعني القطع والإزالة، من دون أن يعبر عن تأثيرهما الوحشي.
الأرقام: كشف تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة والأمومة (UNICEF)، صدر في العام 2013، أن مصر هي البلد الذي يحتضن أكبر عدد من النساء اللاتي جرى إخضاعهن لممارسة تشويه الأعضاء التناسلية، حيث يصل عددهن إلى 27.2 مليون امرأة.
وفق نتائج المسح الصحي السكاني للعام 2017، فإن تطبيب ممارسة تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية في مصر، أضحى ظاهرةً تقوّض مساعي القضاء على الظاهرة الأصلية، إذ أن ممارسته على أيدي الأطباء تصل إلى 82 في المئة.
الاتفاقيات والمعاهدات الدولية: الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب (بروتوكول مابوتو)
تنص المادة الخامسة من بروتوكول مابوتو على «القضاء على الممارسات الضارة»، بينما ينص البند (ب) من هذه المادة على «اعتماد التدابير التشريعية والتنظيمية المناسبة، بما في ذلك تلك التدابير الرامية لمنع وكبح جميع أشكال التمييز والممارسات الضارة، التي تُعرّض صحة المرأة ورفاهيتها العامة للخطر وتنفيذها على نحو فعال.»
قانونيًا: تنص المادة 242 مكرر من قانون العقوبات المصري على «مع مراعاة حكم المادة 61 من قانون العقوبات، ودون الإخلال بأي عقوبة أشد ينص عليها قانون آخر، يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن خمس سنوات ولا تزيد عن سبع سنوات كل من قام بختان، لأنثى بأن أزال أيًّا من الأعضاء التناسلية الخارجية بشكل جزئي أو تام أو ألحق إصابات بتلك الأعضاء دون مبرر طبي، وتكون العقوبة السجن المشدد إذا نشأ عن هذا الفعل عاهة مستديمة، أو إذا أفضى ذلك الفعل إلى الموت.»
وتنص المادة 242 مكرر (أ) على «يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تجاوز ثلاث سنوات، كل من طلب ختان أنثى وتم ختانها بناء على طلبه على النحو المنصوص عليه في المادة 242 مكرر من هذا القانون.»
الإشكاليات القانونية: تنتقد منظمات حقوقية ونسوية ثلاث إشكاليات رئيسة في التشريع المُجرّم لتشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية وهي؛ الإشارة إلى المادة 61 من قانون العقوبات التي تنص على أنه لا عقاب على من ارتكب جريمة ألجأته إلى ارتكابها ضرورة وقاية نفسه أو غيره من خطر جسيم على النفس على وشك الوقوع به أو بغيره، ولم يكن لإرادته دخل فى حلوله ولا فى قدرته منعه بطريقة أخرى. وتُرجِع هذه المنظمات مطالبتها بإلغاء المادة، إلى أن نصها يمنح مرتكب جريمة تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية حجةً للإفلات من العقاب، إذ تُمكّنه من الزعم بأن إجراء الختان كان لضرورة طبية، وهو أمر ليس له أي أساس من الصحة.
أما الإشكالية الثانية تتمثل في عبارة «ألحق إصابات بتلك الأعضاء دون مبرر طبي» الواردة في تعريف القانون لختان الإناث، بما يمكّن الأطباء من إجراء هذه الممارسة بدعوى الاضطرار إليها بدافع طبي، على الرغم من أنه لا يوجد سند طبي أو علمي يبرر ختان الإناث.
كما تنتقد كثير من المجموعات النسوية، التغافل عن طرح حلول لإشكالية الامتناع عن الإبلاغ عن الحوادث، خاصة في ظل زيادة العقوبات على الأهالي الذين يميلون إلى عدم الإبلاغ، حتى في حالات الوفاة والمضاعفات شديدة الخطورة، بعد تشديد العقوبات عليهم في هذه الحالات.
حملات موّسعة: في يونيو الماضي، أطلقت اللجنة الوطنية للقضاء على ختان الإناث حملة بعنوان «شهر بدور»، بالتزامن مع ذكرى وفاة الطفلة بدور التي قضت في الـ14 من يونيو، إثر جرعة مخدر زائدة، أثناء تجهيزها للخضوع لممارسة تشويه الأعضاء التناسلية، داخل إحدى عيادات مركز مغاغة، في محافظة المنيا في العام 2007. وهذه الحملة هى باكورة أنشطة اللجنة الوطنية للقضاء على ختان الإناث التي تشكلت بالشراكة بين المجلس القومي للمرأة والمجلس القومي للطفولة والأمومة، وقد استمرت فعالياتها الرامية إلى التوعية بمخاطر ختان الإناث، لمدة شهر كامل في جميع المحافظات المصرية.
تزويج القاصرات
تُعرّف منظمة الأمم المتحدة للطفولة والأمومة (UNICEF) زواج الأطفال بأنه أي زواج رسمي بعقد، أو ارتباط بين طفلة أو طفل أقل من 18 عامًا وشخص بالغ أو غير بالغ. وتُصنّف المنظمة زواج الأطفال باعتباره عنفًا ضدهم وتحديدًا الفتيات.
لفظيًا: الأصح هو استخدام «تزويج القاصرات» بدلًا من زواج الأطفال أو القاصرات، لأن هناك من يدفعهن دفعًا إلى هذا المصير، ولذلك يصبح استخدام كلمة «تزويج» أكثر تعبيرًا عن الجريمة.
الأرقام: كشف التعداد السكاني للعام 2017، الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء في مصر، أن تزويج القاصرات يصل إلى 118 ألف حالة سنويًا، وتمثل حالات تزويج القاصرات نحو 14 في المئة من إجمالي حالات الزواج فى مصر سنويًا، وتسجل المحافظات الحدودية ومحافظات الصعيد النسب الأعلى في تزويج القاصرات.
الاتفاقيات والمعاهدات الدولية: اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة – CEDAW
ينص البند (2) من المادة (16) في الاتفاقية على «لا يكون لخطوبة الطفل أو زواجه أي أثر قانوني وتتخذ جميع الإجراءات الضرورية، بما فيها التشريع لتحديد سن أدنى للزواج ولجعل تسجيل الزواج في سجل رسمي أمرًا إلزاميًا.»
قانونيًا: تنص المادة الثانية من القانون المصرى رقم 12 لسنة 1996 والمعدل بالقانون 126 لسنة 2008، والمعروف باسم «قانون الطفل» على أنه «يقصد بالطفل فى مجال الرعاية والمنصوص عليها فى هذا القانون كل من لم تتجاوز سنه الـ18 سنة ميلادية كاملة.»
وتنص المادة 31 مكرر، من القانون رقم 143 لسنة 1994 بشأن الأحوال المدنية والمعدل بالقانون رقم 126 لسنة 2008 على «لا يجوز توثيق عقد زواج لمن لم يبلغ 18 سنة ميلادية كاملة.»
وتنص المادة 227 من قانون العقوبات المصري على «يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز سنتين أو بغرامة لا تزيد عن ثلاثمائة جنيه، كل من أبدى أمام السلطة المختصة بقصد إثبات بلوغ أحد الزوجين السن المحددة قانونًا لضبط عقد الزواج، أقوالًا يعلم أنها غير صحيحة أو حرر أو قدم لها أوراقًا كذلك، متى ضبط عقد الزواج على أساس هذه الأقوال أو الأوراق.»
الإشكالية القانونية: يحظر القانون المصري توثيق الزواج لمن هم دون 18 عامًا، إلا أنه لا يجرّم تزويج القاصرات، بما يفسح المجال أمام المأذونين للتحايل على القانون، حيث يزوجون الفتيات بعقود عرفية، حتى تبلغ الفتيات سن الزواج المحددة في القانون (18 عامًا)، فيوثقون العقود بشكل رسمي. وإذا قام شخص بهذه الجريمة لا يمكن محاكمته إلا إذا اقترنت بجريمة التزوير المنصوص عليها فى المادة 227، التي تطالب منظمات نسوية بتشديد عقوبتها لتتحول إلى جناية بدلًا من جنحة.
في الجنحة تكون العقوبة الحبس من 24 ساعة وحتى ثلاث سنوات وقد تكون العقوبة غرامة مالية، أما الجناية فعقوبتها تتدرج من السجن إلى السجن المشدد، ثم المؤبد وصولًا إلى الإعدام.
حملات موّسعة: في شهر يوليو من العام 2018، أطلقت نحو 20 جمعية أهلية في مصر حملة بعنوان «مش قبل 18» للضغط على البرلمان المصري من أجل إصدار قانون يُجرّم ويمنع تزويج القاصرات، وما زالت فعاليات الحملة مستمرة، فضلًا عن مساعي القائمات عليها إلى توسيع رقعتها لتكون حملة إقليمية، تشمل عددًا من الدول العربية.
التحرش الجنسي
تتعدد تعريفات التحرش الجنسي، ولا يوجد إجماع على تعريف موحد، على عكس ظواهر عنف أخرى ضد النساء، إلا أن جميع التعريفات تتضمن عناصر مشتركة.
يُعرّف صندوق الأمم المتحدة للسكان التحرش الجنسي بأنه أي تلميح جنسي غير مرغوب فيه، أو طلب للحصول على خدمة جنسية، أو سلوك لفظي أو جسدي أو لفتة ذات طبيعة جنسية، أو أي سلوك آخر ذي طبيعة جنسية قد يتسبب في جرم أو إهانة لشخص آخر.
بينما تعرف مؤسسة خريطة التحرش في مصر، المصطلح بأنه أي صيغة من الكلمات غير مرغوب بها أو الأفعال ذات الطابع الجنسي، التي تنتهك جسد أو خصوصية أو مشاعر شخص ما، وتجعله يشعر بعدم الارتياح أو التهديد أو عدم الأمان أو الخوف أو عدم الاحترام أو الترويع أو الإهانة أو الإساءة أو الترهيب أو الانتهاك أو أنه مجرد جسد.
لفظيًا: لا بد من التوقف عن استبدال «التحرش الجنسي» بــ «المعاكسة» أو «المضايقة»، لأن اللفظين يُلّطفان من الجريمة، ويرسخان إلى عادية الأمر واعتياديته.
الأرقام: كشفت دراسة لهيئة الأمم المتحدة للمرأة (UN Women) ومنظمة بروموندو الأمريكية، صدرت في العام 2017، أن نحو 60 في المئة من النساء في مصر تعرضن للتحرش الجنسي. وأظهر تقرير لمؤسسة تومسون رويترز في العام نفسه، أن القاهرة هي أخطر مدينة على النساء، والتحرش الجنسي أحد الأسباب الرئيسة وراء ذلك.
الاتفاقيات والمعاهدات الدولية: منهاج عمل بيجين
اعتبرت المادة 71 من المنهاج، التحرش الجنسي أحد صور التمييز الذي تتعرض له الفتيات، وهو أحد المعوّقات التي تحرمهن من الوصول إلى التعليم.
تضع المادة 113 من المنهاج تعريفًا لـ «العنف ضد المرأة»، وقد أوردت التحرش الجنسي من ضمن أشكاله في الفقرة (ب) التي تنص على «أعمال العنف البدني والجنسي والنفسي التي تحدث داخل المجتمع بوجه عام، بما في ذلك الاغتصاب والاعتداء الجنسي، والتحرش الجنسي، والتخويف في مكان العمل، وفي المؤسسات التعليمية وفي أماكن أخرى، والاتجار بالنساء والإكراه على العمل بالجنس التجاري.»
وفيما يتعلق بالإجراءات التي أوصى منهاج عمل بيجين باتخاذها لمنع العنف ضد المرأة والقضاء عليه، تنص المادة 126 في الفقرة (أ) على «وضع برامج وإجراءات من أجل القضاء على التحرش الجنسي وغيره من أشكال العنف ضد المرأة في جميع المؤسسات التعليمية ومواقع العمل وسواها.»
قانونيًا: تنص المادة «306 مكرر أ» على أن «يُعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن ثلاثة آلاف جنيه، ولا تزيد على خمسة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من تعرض للغير في مكان عام أو خاص أو مطروق بإتيان أمور أو إيحاءات أو تلميحات جنسية أو إباحية، سواء بالإشارة أو بالقول أو بالفعل بأية وسيلة، بما في ذلك وسائل الاتصالات السلكية أو اللاسلكية. وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن الحبس سنة وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تزيد على عشرة آلاف جنيها وبإحدى هاتين العقوبتين إذا تكرر الفعل من الجاني من خلال الملاحقة والتتبع للمجنى عليه. وفي حالة العودة تضاعف عقوبتا الحبس والغرامة في حديهما الأدنى والأقصى.»
بينما تنص المادة «306 مكرر ب» على «يعد تحرشًا جنسيًا إذا ارتكبت الجريمة المنصوص عليها في المادة «306 مكرر أ» من هذا القانون، بقصد حصول الجاني من المجني عليه على منفعة ذات طبيعة جنسية، ويعاقب الجاني بالحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تزيد على عشرين ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين.»
الإشكاليات القانونية: تنتقد منظمات حقوقية ونسوية مجموعة من الأمور في المواد القانونية المُجرّمة للتحرش الجنسي، من بينها تجاهل النص على إجراءات من شأنها توفير الحماية للناجيات عند الإبلاغ وخلال مراحل عملية التقاضي، إلى جانب الإبقاء على المادة 17 من قانون العقوبات المصري التي تُمكّن القضاة من تخفيف العقوبة، ونصها «يجوز فى مواد الجنايات إذا اقتضت أحوال الجريمة المقامة من أجلها الدعوى العمومية رأفة القضاة بتبديل العقوبة.»
كما أشارت مؤسسة «نظرة للدراسات النسوية» لإشكالية في المادة «306 مكرر ب» التي تعرّف التحرش بناءً على نية الجاني وما إن كان قد قصد التحرش أم لم يقصده، مؤكدةً أن الأصل هو ربط تعريف التحرش بمدى الضرر المادي والأدبي الواقع على الناجيات بدلًا من نية المتحرش.
حملات موّسعة: في نوفمبر من العام 2018، انطلقت المبادرة القومية لمواجهة العنف ضد المرأة في المواصلات العامة وتحديدًا التحرش الجنسي، بمشاركة جهات محلية ودولية ومنها: وزارات حكومية، والمجلس القومي للمرأة، بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي والوكالة الفرنسية للتنمية والوكالة الألمانية للتعاون الدولي.
وقد ركزت الحملة على نشر إعلانات توعوية في الشوارع ومحطات المترو ومراكز الشباب، وبث مقاطع مصوّرة للتوعية والحض على مواجهة الظاهرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي. كما نفذت وزارة الشباب والرياضة تدريبات موجهة للفتيات بهدف تدريبهن على الدفاع عن النفس.