“اعتدت على مواجهة التمييز في حياتي اليومية لأنني أحمل صفة أنثى، وأدركت بمرور الوقت أنه لا مناص من مواجهة العنف القائم على النوع. لكن شيئًا آخر اكتشفت أنه سيضاعف التمييز والعنف ضدي وهو السن.”

أتمّت يسرا عامها الثلاثين قبل تسعة أشهر، وهو السن الذي عاشت منذ طفولتها تربطه بتصوّرات نمطية، عن امرأة تتمتع باستقرار مهني وأسري أو على الأقل أحدهما.

تقول يسرا إنها كانت تظن في طفولتها أن الوصول إلى سن الثلاثين بالنسبة للمرأة يعني اشتغالها بوظيفة في مكان ذي سمعة جيدة، وحصولها على راتب شهري يكفي احتياجاتها وقد يفيض، فضلًا عن تحقيق أهم ركنين في حياة المرأة، وفق أعراف وتصوّرات المجتمع الذكوري، وهما الزواج والإنجاب.

لكن يسرا ليست مستقرة مهنيًا، فهي مترجمة تعمل بالقطعة في مكاتب ترجمة وأحيانًا تعمل بعقود قصيرة المدة في مؤسسات المجتمع المدني، وتخصص جزءًا مما تتحصل عليه لدراسة التصوير الذي تحبه، وتأمل أن تمتهنه وتصبح يومًا ما مصوّرة سينمائية.

لم تتزوج يسرا وبالتالي لم تنجب أطفالًا ولا تبدو منشغلة بالأمرين، فهي تسعى إلى شيء آخر، “اهتمامي منصب على البحث والحصول على فرصة للدراسة بالخارج، ولا أظن أنني مستعدة لعرقلة أو تعطيل ذلك حتى أنال رضا أسري أو قبول مجتمعي.”

تقول يسرا إن سؤال البعض عن سنها، كثيرًا ما يتبعه أسئلة أخرى من عينة “30 ولسه ماتجوزتيش؟” أو “30 وعايشة لوحدك؟”، وأحيانًا يتبعه عِبارات الترهيب الذكوري مثل “أنت عارفه أن بعد الـ30 فرصك في الجواز والخلفة بتقل.. يدوب تلحقي” أو “أنتِ عارفه الناس بتبص إزاي لواحدة عندها 30 سنة وعايشة لوحدها؟.. يا إما تتجوزي يا إما تمشي، روحي بلد تانية فيها الحاجات دي عادي.”

شعرت يسرا يوم أطفأت شمعة الثلاثين بأنها تقدمت في العمر، وتملكها شعور بالخوف بسبب غياب الاستقرار المهني، “كلما تقدم عمرك، تضاءلت فرصك في العمل، ولذلك أريد السفر إلى الخارج، وأسابق الزمن من أجل الفوز بمنحة لدراسة الماجستير، لأن جميعها للأسف يضع حدًا أقصى للسن.”

تخبرنا يسرا أن والدتها حاولت كثيرًا أن تقنعها بالزواج قبل أن تبلغ الثلاثين، خوفًا مما تسمّيه «قلة الفرص» ونظرات الناس المتشككة والمرتابة، وتتذكر أن أمها بعد أن عايدتها في عيد ميلادها، قالت بشجن “بس كان نفسي أفرح بيكِ قبل التلاتين.”

أما مريم فترى أن الثلاثين محطة مهمة في حياة النساء العربيات عمومًا، وربما مخاوفها المرتبطة بهذه السن هي التي دفعتها إلى الزواج قبل سنتين وإلى الحمل مباشرة بعده، لتصبح الآن أمًا وطفلها يبلغ من العمر ثمانية شهور.

في حديثها معنا، أعربت مريم عن أنها لا تشعر بالرضا تجاه الخطوات التي اتخذتها، لأنها حرمتها من تحقيق أحلامها المهنية وأفقدتها استقلاليتها.

هبة أتمت عامها الثلاثين قبل ستة أشهر، وبالتزامن مع عيد ميلادها علمت بإصابة جدتها بسرطان الثدي، وذلك بعد عامين من وفاة خالتها جراء الإصابة بالمرض نفسه.

هناك تاريخ لعائلة هبة مع السرطان عمومًا وسرطان الثدي خصوصًا، ولذلك قررت إجراء اختبار جين سرطان الثدي، لتكتشف أن لديها طفرة وراثية تزيد احتمالية إصابتها بالمرض، وحتى الآن ما زالت مترددة بشأن إجراء عملية استئصال الثديين الوقائية.

“كأي فتاة في مجتمعنا، نشأت ولدي اعتقاد ورثته عن أمي التي ورثته عن جدتي يرسخ إلى أن المرأة إن بلغت الثلاثين وما زالت عزباء فهي «عانس» ولا بد أن تسارع بالزواج حتى تحفظ ماء وجهها، أو أن تعمل بكل ما أوتيت من قوة لتحقق نجاحات مهنية تستعيض بها عن الخزي الذي لحق بها.”

وضعت هبة أحلامًا كبيرة نصب عينيها، وتمنت أن تحققها قبل الثلاثين حتى تمر من دون أن تكون مصدرًا لمشاعر الدونية والنقص والفشل، “لكن جاءت الثلاثين ولم أحقق حتى نصف هذه التطلعات، وبعد ما عرفته عن وضعي الصحي، لا أعتقد أن أمامي سنوات كثيرة لاستمر في خوض معارك إثبات الذات واستحقاق القبول المجتمعي.”

تثير الثلاثين لدى نانسي خوفًا من الوحدة، وتقول إنها تحاول أن تتجاوز شتى المخاوف التي تشكلّت في مخيلتها نتيجة الصورة الذهنية الشائعة، عن المرأة الثلاثينية التي يتعين عليها أن تكون قد نجحت في «تكوين الأسرة» أو في الاشتغال بوظيفة ثابتة.

من جانبها، تكشف سمر عن شعورها بضغط نفسي بسبب الثلاثين، ومصدره خوف أمها من عدم ارتباط ابنتها حتى هذه السن، واصفةً الثلاثين بالسن التي تثير القلق لدى أي أنثى. وتعتقد سمر أن أكبر مخاوفها المرتبطة بهذه السن، هو إدراكها أن فرصة الحمل والإنجاب تقل يومًا بعد الآخر وسنة بعد الأخرى. وفي إطار طمأنة النفس، تُذكّر نفسها أن نساءً كثيرات حققن تطلعاتهن سواء الشخصية أو المهنية بعد أن تجاوزن الثلاثين.

“الثلاثين في حياة الرجل لها صدى إيجابي، لأن بلوغ الذكر لهذه السن في مجتمعنا يزيده جاذبية من وجهة نظر كثيرين، ويجعله أكثر رشادة في رأي هؤلاء أيضًا حتى إن لم يكن كذلك على الإطلاق. أما الثلاثين في حياة المرأة تعني بداية مراحل متصلة من الخسارات.”

توقن بسمة أن المرأة بعد الثلاثين تتعرض لتمييز مضاعف في العمل، “نحن نعلم – حتى إن لم يكن هناك دراسات واستطلاعات – أن فرص النساء في العمل بعد الثلاثين أقل من ذي قبل خاصة إن كن متزوجات، لأن أرباب الأعمال يُصدرون أحكامًا مسبقة عن فاعلية المرأة المتزوجة في العمل والتزامها.”

لا تعبأ بسمة لكل المخاوف التي تحيط بالثلاثين والمشاكل التي تواجهها النساء إذا بلغن هذه السن وهن خارج القالب النمطي المُعد سلفًا لكل من تمر على هذا الرقم، وتفسر ذلك باعتقادها أن كل امرأة بمجرد أن تولد، يبدأ التمييز بأشكاله ومصادره المختلفة في البروز كمعوقات متتابعة في طريقها، وتتابع “يفرض علينا الواقع التعامل مع هذا التمييز، وخوض معارك ضد كل شكل من أشكاله، بما فيها التمييز على أساس السن المرتبط بقوة بالتمييز على أساس النوع الاجتماعي.”

الأهم بالنسبة لبسمة هو أن تظل قادرة على القيام بالأشياء التي تحبها من دون أن تتعرض للتنمر بسبب سنها، ومنها ركوب الدراجات والسكوتر، وتسترجع موقفًا يرتبط بذلك “كنت قد أقمت حفلًا صاخبًا في منزلي احتفالًا بعيد ميلادي الثلاثين، وفي صباح اليوم التالي نزلت بالسكوتر، وهو أمر اعتدته، إلا أنني فوجئت هذه المرة بزوجة حارس العقار تقول لي: مش كبرنا بقى على السكوتر ده؟!”

تجاهلت بسمة كلمات زوجة الحارس، لكنها نفت أن يكون رد فعلها الدائم إزاء مثل هذه العبارات هو الصمت والتجاهل، وتقول إنها تضطر إلى التشاجر أحيانًا، “أصل مش هبطل أركب عجل وسكوتر عشان عندي كام شعرة بيضا.”