انتزعت النساء المصريات اعتراف الدولة بحقهن في الترشح والانتخاب، بعد سجالات ومنازعات واحتجاجات امتدت لنحو 38 عامًا. نضال نسوي أثبت أن استجابة السياسيين وصناع القرار من الذكور لا تأتي التزامًا بما يرددونه من شعارات تدعي الإيمان بحقوق النساء ودعمها، وإنما تأتي دائمًا وأبدًا رضوخًا لنضال لا يخمد.

فيما يلي، نستعرض محطات تاريخية قادت إلى الاعتراف دستوريًا وقانونيًا بحق المصريات في الترشح والانتخاب، ومن ثم دخولهن إلى البرلمان في خمسينيات القرن الماضي.

1919

شهدت الثورة الشعبية التي اندلعت في شهر مارس، خروجًا منظمًا للنساء المصريات، للمطالبة بالاستقلال عن الاستعمار البريطاني، ورغم أن هذا الخروج مثّل نقطة تحوّل في علاقة النساء بالمجال العام، حيث أفضى إلى انخراطهن في الحياة العامة وفتح آفاقًا أرحب للحِراك النسوي، إلا أنه لم يكن الخروج الأول للنساء كما يزعم البعض، فقد سبق أن حاولن الولوج في الحِراك السياسي خلال ثورة 1881 (المعروفة باسم ثورة عرابي)، وقبل ذلك خرجن للتصدي إلى قوات الحملة الفرنسية في العام 1798، ثم شاركن في الاحتجاجات الشعبية التي عُرِفت باسم «ثورة القاهرة الثانية» في العام 1801، وانضممن إلى عدد من المظاهرات التي أدت إلى الإطاحة بالوالي العثماني خورشيد باشا في العام 1805.

1922

تشكلت لجنة إعداد دستور 1923 في إبريل من العام 1922، برئاسة حسين رشدي باشا، وضمت اللجنة ثلاثين عضوًا، جميعهم من الذكور، فاحتجت الصحافية والنسوية منيرة ثابت عبر عدد من المقالات هاجمت فيها غياب تمثيل النساء في لجنة الإعداد للدستور، معربةً عن قلقها من تبعات ذلك على حقوق النساء لا سيما حقوقهن السياسية. ثم تبع ذلك، إصدار لجنة حزب الوفد المركزية للسيدات بيانًا شديد اللهجة يهاجم اللجنة والدستور، الذي لم ينص على حق النساء في الانتخاب.

1923

في شهر مارس، أسست الناشطة النسوية هدى شعراوي، وإحدى رائدات الحركة النسوية المصرية، جمعية «الاتحاد النسائي المصري» التي جاء في المادة الثالثة من القانون الأساسي لها «إن الجمعية ستسعى بكل الوسائل المشروعة حتى تنال المرأة المصرية حقوقها السياسية والاجتماعية.»

لكن بعد شهر على تأسيس الاتحاد، صدر قانون الانتخاب لسنة 1923، من دون أن ينص على حق النساء فيه، إذ قصرت المادة الأولى منه هذا الحق على كل مصري بلغ من العمر 21 سنة.

1924

جرت الانتخابات البرلمانية في يناير من العام 1924، وتمّخض عنها فوز حزب الوفد برئاسة سعد زغلول بالأغلبية، ليفتتح البرلمان جلساته في شهر مارس، في ظل غضب نسوي عبّرت عنه هدى شعراوي في خطاب وجهته إلى سعد زغلول، انتقدت فيه دعوة النساء الأجنبيات لحضور حفل الافتتاح، بينما لم تتلق أي امرأة مصرية دعوة لحضور الحفل. وتمثّل الحَنق أيضًا في مقال كتبته منيرة ثابت ونشرته جريدة الأهرام بعنوان «النساء وحفلة البرلمان»، وجاء فيه «قرأتُ أن الحكومة تنوي أن تُقيم حفلة لافتتاح البرلمان المصرى، فتساءلتُ: لماذا لا يكون للسيدات المصريات مقاعد فى هذه الحفلة؟ وأنا أوجه هذا السؤال إلى رئيس الوزارة سعد زغلول». كما كتبت ثابت في الشهر نفسه مقالًا بعنوان «النساء والسياسة» نشرته جريدة الأهرام أيضًا، وانتقدت فيه تعمد إغفال حق النساء في الانتخاب والترشح معًا.

حاولت قيادات الوفد تحسين صورة الحزب أمام النساء الغاضبات، من خلال تخصيص شرفة الزوار بالبرلمان للنساء، حتى يشاركن في الجلسات كمستمعات ومُطلّعات على النقاشات الدائرة داخله. وقد ذهبت بالفعل مجموعة من الشخصيات النسائية البارزة وفي مقدمتهن هدى شعراوي، وجلسن في الشرفة يتابعن ما يجري في البرلمان.

من جانبها، احتفت منيرة ثابت بهذه الخطوة في مقال نشرته جريدة البلاغ، جاء فيه: قضي الأمر، اقتحمت المرأة المصرية دار مجلسي الشيوخ والنواب رغم أنوف السادة الغاضبين.

في العام ذاته، قدمت كل من هدى شعراوي باسم «الاتحاد النسائي المصري» وإحسان أحمد باسم «اللجنة المركزية للسيدات» في حزب الوفد، جملة من المطالب إلى البرلمان، من بينها: تعديل قانون الانتخاب باشتراك النساء مع الرجال في حق الانتخاب، ولو بقيود في الدور القادم، كاشتراط التعليم أو دفعها نصابًا معينًا على ما لها من المُلك.

1935

صدر قانون الانتخاب رقم 148 لسنة 1935، ليحبط الحركة النسوية مجددًا بإصرار على حرمان النساء من حقوقهن السياسية، إذ نصت مادته الأولى على: لكل مصري من الذكور حق انتخاب أعضاء مجلس النواب، متى بلغ إحدى وعشرين سنة ميلادية كاملة.

1944

تقدم زهير صبري، النائب بالبرلمان المصري، باقتراح لتعديل قانون الانتخاب رقم 148 لسنة 1935، بما يحقق المساواة بين الجنسين في الحقوق السياسية، ويضمن حقي التصويت والنيابة عن الأمة في مجلسي البرلمان (الترشح للانتخابات النيابية)، إلا أن الغالبية الكاسحة من النواب وقفت ضد مشروع القانون، وحالت دون انتقاله إلى اللجنة التشريعية بالبرلمان لدراسته ومناقشته.

وفي العام نفسه، أسست فاطمة نعمت راشد أول حزب سياسي نسائي في مصر، باسم «الحزب النسائي الوطني»، وقد أورد الحزب في المادة الثانية من برنامج أهدافه، ومن بينها: يسعى الحزب بكل الوسائل المشروعة إلى أن تنال المرأة حقوقها القومية والسياسية والاجتماعية كاملة، فيكون لها حق الانتخاب والتمثيل النيابي، والتمتع بحقوقها كمواطنة مصرية. وقد قرر الحزب أن يوجه نشاطه لتمكين النساء من حقهن في عضوية مجلس النواب، بعد أن أعلنت فاطمة نعمت راشد أنه من الأفضل تأجيل دخول النساء إلى مجلس الشيوخ.

فاطمة نعمت راشد هي صاحبة مجلة «ترقية المرأة» التي صدرت في العام 1908، وترأست تحرير مجلة «المصرية» التي كانت تصدرها هدى شعراوي.

1949

أسست درية شفيق «اتحاد بنت النيل»، للمطالبة بحقوق النساء من مختلف الطبقات، لا سيما الحق في الانتخاب والترشح للمجالس النيابية. وقد دشن الاتحاد حملة ضغط لإقرار الحقوق السياسية للمرأة في الدستور والقانون، وأحدثت الحملة صدى واسع في الصحف والمجلات.

1951

عقدت درية شفيق بالاتفاق مع عضوات «اتحاد بنت النيل»، مؤتمرًا في قاعة إيوارت بالجامعة الأمريكية، وطالبت خلاله بإنهاء حرمان النساء من حقوقهن السياسية وقالت: نحن نصف الأمة.. نصف القوة.. نصف الحياة.. ولقد بلغنا من الوعي القومي ما يجعلنا نعتبر إقصاءنا عن الاشتراك في السلطات الثلاث حرمانًا لبلادنا من نصف طاقتها الحيوية الانتاجية.

خرج من المؤتمر حشد من النساء بقيادة درية شفيق، متوجهًا إلى البرلمان أثناء انعقاده للإعلان عن احتجاجهن على إقصائهن عن المشهد السياسي ولأخذ وعد من النواب بمناقشة تعديل قانون الانتخاب. وترجح بعض المصادر أن العدد كاد يقترب من 1500 امرأة.

وعلى الرغم من أن شفيق تلّقت وعدًا من رئيس المجلس بالنظر في مطالب النساء، فقد فوجئت صبيحة اليوم التالي باستدعائها للتحقيق معها في عدد من التهم، على رأسها التظاهر بدون ترخيص. لكن هذه القضية انتهت بتأجيل إلى أجل غير مسمى.

1952

صعّدت درية شفيق من احتجاجها على حرمان النساء من حقهن في الترشح، وقررت أن تترشح في الانتخابات البرلمانية، فذهبت برفقة عشر عضوات من «اتحاد بنت النيل» لدفع التأمينات المطلوبة لتسجيل أسمائهن بين الراغبين في الترشح، إلا أن الموظفين رفضوا الاستجابة لهن، بدعوى أن طلبهن يتعارض مع القانون.

وبعد صدور قانون تنظيم الأحزاب السياسية في شهر سبتمبر، قانون 179 لسنة 1952، عزمت شفيق على تحويل «اتحاد بنت النيل» إلى حزب سياسي، وتقدّمت بإخطار إلى وزير الداخلية، لتسجيله بهذه الصفة.

وكان من بين أهداف الحزب «العمل من أجل تعديل قانون الانتخاب، بما يسمح للمرأة بمزاولة حق الانتخاب والترشح للانتخابات النيابية»، لكن قرار حل الأحزاب السياسية الذي صدر في يناير من العام 1953، قضى على نشاط حزب «بنت النيل» في هذا الصدد.

1954

في صباح الجمعة 12 مارس، قصدت درية شفيق نقابة الصحافيين، لتعلن اعتصامها بها وإضرابها عن الطعام، احتجاجًا على تغييب النساء عن لجنة إعداد دستور ما بعد حركة\ثورة يوليو 1952، وسرعان ما انضم إليها ثماني سيدات أخريات من المدافعات عن حقوق النساء.

حاولت السلطة السياسية إيقاف الإضراب منذ بدايته، إلا أنه استمر لما يقترب من عشرة أيام، حتى حصلت شفيق ورفيقاتها على وعد من محمد نجيب، الرئيس المصري آنذاك، بأن الدستور المقبل سيضمن للنساء حقوقهن السياسية.

1956

جاء دستور 1956 مُمهِدًا لحق النساء في الترشح والانتخاب، إذ نصّت مادته رقم 31 على: المصريون لدى القانون سواء، وهم متساوون فى الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم فى ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة. كما نصت مادته رقم 61 على: الانتخاب حق للمصريين على الوجه المبين فى القانون، ومساهمتهم فى الحياة العامة واجب وطني عليهم.

تأكد الحق مع صدور قانون مباشرة الحقوق السياسية، رقم 73 لسنة 1956، الذي نص في مادته الأولى على: على كل مصري ومصرية بلغ ثمانية عشرة سنة ميلادية أن يباشر بنفسه الحقوق السياسية الآتية:

أولًا: إبداء الرأي فى كل استفتاء ينص عليه الدستور

ثانيًا: انتخاب كل من رئيس الجمهورية، أعضاء مجلس الشعب، أعضاء مجلس الشورى، أعضاء المجالس الشعبية المحلية

1957

دخلت المرأة البرلمان المصري كعضوة، بعد فوز مرشحتين من أصل ثماني مرشحات في الانتخابات التي عقدت في شهر يوليو، وهما: راوية عطية عن دائرة قسم ثان الجيزة وأمينة شكري عن دائرة قسم باب الشعرية في الإسكندرية.

وكان من بين المرشحات سيزا نبراوي، رئيسة الاتحاد النسائي المصري (خلفًا لهدى شعراوي)، وقد ترشحت عن دائرة قسم مصر القديمة إلا أنها خسرت المعركة الانتخابية لصالح الإذاعي أحمد سعيد. وبحسب رواية الفنانة التشكيلية إنجي أفلاطون فقد تم منع مندوبي نبراوي من الدخول إلى اللجان وحضور عمليات التصويت والفرز، وجرت عمليات التزوير علنًا.