كتبت: شهد مصطفى

رحلت الناشطة النسوية اللبنانية نادين جوني في الـ6 من أكتوبر الجاري، قبل أن تبلغ عامها الثلاثين، مستجيبةً إلى نداء الرحيل الذي لا يملك أحد رده أو تأخير موعده. كانت نادين رمزًا للمقاومة والتمرد الذين لم يطفِئُهما سوى الموت.

«ننعي إليكم\ن الناشطة النسوية المناضلة #نادين_جوني التي انتصرت على تجربة التزويج المبكر المُوجعة، وعلى العنف الأسري وناضلت حتى آخر نفس من حياتها من أجل حقها بحضانة طفلها في وجه ظلم المحكمة الجعفرية.»

التجمع النسائي الديمقراطي اللبناني

خاضت نادين معارك جسورة في مواجهة المحاكم الجعفرية (المؤسسة القضائية الشرعية التي تحتكم إليها الطائفة الشيعية)، وناضلت من أجل تعديل سن الحضانة وشروطها بعد أن حرمتها هذه القوانين من حضانة ابنها عقب طلاقها. وكانت واحدة ممن قدن الحملة المطالبة برفع سن الحضانة لدى الطائفة الشيعية، والتي رفعت شعار #حضانتي_ضد_المحكمة_الجعفرية وتركزت مطالبها في رفع سن الحضانة لسبع سنوات للطفل وتسع سنوات للطفلة، ثم حضانة مشتركة بين الأبوين حتى بلوغ الطفلة أو الطفل سن الـ16 عامًا.

وفي لبنان تخضع كل طائفة من الـ15 طائفة المعترف بها في البلاد (العدد الإجمالي 18 طائفة)، إلى قانون أحوال شخصية خاص بها، وبالتالي فإن المحكمة الجعفرية تصدر أحكامها بناءً على قانون يحدد سن حضانة الأم لأطفالها بسنتين للذكر وسبع سنوات للأنثى، وهو السن الأدنى على مستوى الطوائف.

طمحت نادين إلى سد منابع الآلم في حياة النساء اللبنانيات، فكانت من أشد المناهضين لتزويج القاصرات، وطالما طالبت بتعديل التشريعات التي تبيح ذلك، إذ لا يوجد في لبنان سن رسمي للزواج أو قانون مدني يوحد السن الأدنى للزواج، بل تحدد المحاكم الدينية ذلك حسب كل طائفة. وفي مارس الماضي،كانت نادين في طليعة المشاركات في المسيرة الاحتجاجية التي خرجت في العاصمة اللبنانية بيروت، قاصدةً البرلمان اللبناني للمطالبة بإقرار قانون يحدد سن الزواج للفتاة بـ18 عامًا.

قبل أيام من وفاتها، شاركت نادين في المسيرة الاحتجاجية التي خرجت في الـ26 من سبتمبر الماضي، لتطوف شوارع بيروت تحت يافطة «طالعات» تضامنًا مع النساء الفلسطينيات اللاتي يقضين نتيجة تعرضهن للعنف، خاصة العنف الأسري الذي كانت آخر ضحاياه الشابة الفلسطينية إسراء غريب التي تعرضت إلى ضرب مبرح على يد أفراد من عائلتها أفضى إلى موتها.

وكانت مجموعة من النساء الفلسطينيات قد أطلقن حملة «طالعات»، بهدف بناء حِراك نسوي مستقل وشامل للنضال ضد مختلف أشكال العنف الممارس ضد المرأة الفلسطينية.

وخلال المسيرة، التُقِطت لنادين صورة تُثبّت صورتها الأكبر كمناضلة لا تهاب السلطة الذكورية التي تستمد سطوتها من أحكام دينية، حيث ظهرت فيها وخلفها مسجد وكنيسة، بينما تحمل لوحة مكتوب عليها عبارة: شرفكم ما بيمرق بين إجرينا (أي شرفكم لا يمر\يخرج من بين أرجلنا).

كانت نادين في صدارة المتصدين لاستمرار المسؤولين في المماطلة بشأن أزمة النفايات التي تكدست بها شوارع بيروت في العام 2015، وشاركت في تأسيس حركة «طلعت ريحتكم» احتجاجًا على الأزمة التي تقف الحكومة اللبنانية أمامها عاجزة، وكانت في مقدمة صفوف المتظاهرين المطالبين بحل دائم ومستدام وبيئي لأزمة النفايات وبمحاسبة الفاسدين.

رحلت نادين قبل أن يتحقق لها مرادها في رفع سن الحضانة وإعادة ابنها إلى أحضانها، وقبل أن تشهد خروج قانون يحدد سنًا أدنى لزواج الفتيات بـ18 عامًا، وقبل أن ترى لبنان يحاسب الفاسدين ومهدري المال العام، إلا أن ثورتها لن تخمد ولن تسكن، لأن رفيقاتها تعهدن بمواصلة النضال.

«نتعهّد لنادين، رمز نضال الأمهات اللبنانيات بوجه القمع والتمييز ضد النساء والفتيات بكل أوجهه، ان نكمل مسيرتها ونضالها الحقوقي.»

جزء من نعي منظمة «أبعاد» اللبنانية