الحكاية من زاوية الناجيات: هوليوود تعترف بـ#Metoo سينمائيًا عبر «Bombshell»
بسبب حِراك #MeToo، صارت السينما الهوليوودية في أزمة ليس لأن اتهامها بالخضوع للهيمنة الذكورية وتهميش العاملات بها ثبتت صحته، وليس لأن انتعاشها بدا جليًا أنه يتحقق على حساب انتهاكات جنسية تُرتكب بحق النساء داخل هذه الصناعة، وإنما لأن مواجهة كل ذلك أصبحت حتمية ولا يمكن التغاضي عنها، بعد أن خرجت النساء عن صمتهن وقررن التوحد في مواجهة مرتكبي العنف الجنسي ضدهن.
انطلق حِراك #MeToo في أكتوبر من العام 2017، عقب اتهام المنتج الأمريكي الشهير هارفي واينستين بالتحرش جنسيًا واغتصاب مجموعة من النساء العاملات بصناعة السينما في هوليوود في أوقات مختلفة، وذلك بعد أن نشرت صحيفتي «نيويورك تايمز-New York Times» و«نيويوركر- New Yorker»، تحقيقين يوثقان شهادات عدد منهن قبل أن تلحق بالركب أخريات ليكشفن عن مزيد من جرائمه، سواء عبر حساباتهن الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي أو من خلال تصريحات صحافية.
لم يسقط واينستين وحده، فقد أطاح الحِراك بكثيرين من مشاهير الإعلام والسياسة والرياضة، وتتابع سقوط المعتدين واحدًا تلو الآخر، بعد أن رفعت النساء أصواتهن وكشفن اللثام عن الانتهاكات التي ظلت طي الكتمان لسنوات خوفًا من سلطة مرتكبيها ونفوذهم أو خشية ملامة المجتمع.
تأخرت استجابة هوليوود سينمائيًا، فقد مر ما يزيد عن العام ويقترب من العامين ولم تخرج أفلام تتناول نضال النساء في إطار #MeToo أو معاركهن التي مهدت إلى هذا الحِراك عبر عدسة ترى الأمور من جانبهن، حتى نشرت شركة Lionsgate Entertainment المقطع الترويجي الأول لفيلم «Bombshell» في الـ21 من أغسطس الجاري، لينبئ عن تناول مختلف لفضائح الكبّار في أمريكا، خاصة أنه يتناول قصة سقوط أحد أشهر صنّاع الإعلام الأمريكي من وجهة نظر الناجيات من جرائمه.
الموضوع الرئيس لـ«Bombshell – قنبــلة» الذي من المزمع أن تستقبله دور العرض الأمريكية في الـ20 من ديسمبر المقبل، هو جرائم التحرش الجنسي التي ارتكبها المنتج التلفزيوني روجر آيلز وأرغمته على الاستقالة من منصبه كرئيس لقناة «فوكس نيوز الإخبارية-Fox News ». كما يتعرض الفيلم لسياساته الذكورية داخل المؤسسة التي همّشت العاملات فيها وانتهكت حقوقهن على مستويات مختلفة.
لآيلز تاريخ طويل في صناعة الإعلام الأمريكي، فضلًا عن توليه منصب المستشار الإعلامي لعدد من الرؤساء الأمريكيين (الجمهوريين) مثل رونالد ريجان، وريتشارد نيكسون، وجورج بوش الابن، بالإضافة إلى تقديمه المشورة للرئيس دونالد ترامب إبان حملته الرئاسية في العام 2016.
الفيلم من إخراج الأمريكي الحاصل على جائزة «الإيمي-Emmy» جاي روتش، وبطولة نيكول كيدمان، وتشارليز ثيرون، ومارجوت روبي، وتؤدي ثيرون شخصية مقدمة البرامج الإخبارية ميجين كيللي التي أعلنت في العام 2016، أنها تعرضت للتحرش الجنسي من قبل روجر آيلز، بينما تؤدي كيدمان شخصية غريتشن كارلسون التي أقامت دعوى قضائية في العام نفسه ضد آيلز تتهمه بالتحرش الجنسي بها. أما مارجوت روبي فتجسد شخصية خيالية اختير لها اسم كايلا بوسبيسيل، وهي إحدى العاملات بقسم الإنتاج داخل قناة فوكس نيوز الإخبارية.
تظهر الشخصيات النسائية الثلاث في المقطع الترويجي الأول للفيلم في مصعد داخل المؤسسة، حيث يخيم الاضطراب عليهن وتكتسي وجوههن أمارات القلق والخوف في لقطات تثير فضول المشاهدين لمعرفة السر الذي يجمعهن. اللافت في اختيار هذه اللقطات هو اقتصارها على الناجيات بينما يغيب المعتدي عنها، لتصل الرسالة الأولى للفيلم بأن القصة قصتهن والحكاية ستروى من زاويتهن.
القصة التي بني عليها الفيلم
كان شهر يوليو في العام 2016، شهرًا عاصفًا داخل شبكة فوكس نيوز الإخبارية، وسجل نهاية إدارة روجر آيلز التي استمرت لعشرين عامًا، بعد أن رفعت غريتشن كارلسون، في السادس من الشهر دعوى قضائية ضده، تتهمه بالتحرش بها جنسيًا ثم إنهاء تعاقدها بشكل تعسفي ردًا على مقاومتها له. حفزت هذه الدعوى أخريات للحديث عن ما اضطررن للسكوت عنه، وأبرزهن ميجين كيللي مقدمة البرامج الإخبارية، التي نشرت «مجلة نيويورك – New York Magazine» شهادتها أمام المحققين الداخليين، بعد أن فتحت شركة «21st Century Fox»، الشركة الأم والمالكة لمجموعة فوكس، تحقيقًا في الاتهامات المتلاحقة ضد آيلز، وأفادت كيللي بتعرضها للتحرش الجنسي مرارًا من قبل هذا الرجل.
علاوة على ذلك، كشفت أخريات تفاصيل ابتزازه الجنسي لهن مثل المراسلة رودي بختيار التي قالت إن آيلز أرسل لها تنورات قصيرة حتى ترتديها في العمل، ومارشا كالاهان، عارضة أزياء سابقة، صرحت للصحافة بأن رئيس قناة فوكس نيوز قدم لها عرضًا بالظهور على الشاشة في مقابل ممارسة الجنس معه.
تتابعت الاتهامات وتعالت أصوات الناجيات ليتجاوز عدد من اتهمن آيلز بالتحرش والابتزاز الجنسي العشر سيدات، مما أجبره على تقديم استقالته قبل انتهاء شهر يوليو، وعلى الرغم من أن القصة مرت حينها دون أن تترك الأثر العميق والعابر للحدود الذي تركته فضيحة هارفي واينستين، إلا أنها تظل بذرةً من بذور معدودة ساهمت في إذكاء الحِراك الأعلى صوتًا حتى الآن.
كانت صحيفة «واشنطن بوست-Washington Post» قد وصفت سابقًا روجر آيلز بأنه أحد أقوى الشخصيات الإعلامية في الولايات المتحدة، لما حققه مع قناة فوكس نيوز التي أضحت تحت إدارته في مقدمة القنوات الإخبارية التي تحظى بمشاهدات داخل أمريكا وخارجها. لكن فيلم «Bombshell» في طريقه إلى تقديم صورة مغايرة عن الرجل، وقد يدحض التصورات التي روّج لها الإعلام الأمريكي طويلًا بشأن «الرجل القوي» الذي بات واضحًا أنه عوّل على نفوذه وظن أنه سيحميه حتى نهاية العمر، إلا أن ذلك تبدد عندما ارتفعت أصوات النساء وتوحدت.