كتبت: شهد مصطفى

في اللغة النوبية، تعني كلمة «الكنداكة» الملكة المحاربة المقدامة، في إشارة إلى ملكات حضارة كوش الإفريقية القديمة التي عُرِفت أيضًا باسم الحضارة النوبية، وعاد اللقب ليصاحب كل امرأة انخرطت في الحِراك الثوري في السودان.

بعد أن دوّت هتفاتهن في أرجاء السودان، يطالبن بإسقاط النظام وتحرير الوطن من حكم استبدادي امتد لثلاثين عامًا، ها هن النساء السودانيات يواصلن مسيرة النضال من أجل الديمقراطية بعد عزل الرئيس عمُر البشير في الـ11 من إبريل الماضي، وهذا النضال ليس بمعزل عن كفاحهن الرامي إلى الحصول على حقوقهن – غير منقوصة- بعد أن هُضِمت على مدار عقود طويلة.

تبدو الناشطات السودانيات عاقدات العزم وشديدات الإصرار على تكليل ثورتهن، بتغيير جذري في واقعهن الاجتماعي وبضمان فاعليتهن في المعادلة السياسية. ويتجسد ذلك في مطالب التحالف نسائي «نساء السودان للتغيير» التي أعلن عنها لأول مرة في مايو الماضي، وتتركز في تحقيق مشاركة متساوية في آليات التغيير، والحفاظ على حضور النساء بنسبة 50 في المئة في شتى أجهزة السلطة.

لم يتحقق مطلب المناصفة في المجلس السيادي الجديد، إلا أن حضورهن بنسبة تصل إلى 33 في المئة من إجمالي نسبة المدنيين بالمجلس، يعكس استجابةً للحِراك النسوي وإن كانت جزئية، ويؤكد أن زمن تغييب السودانيات عن مراكز صنع القرار قد ولى.

قبل أيام، أدى أعضاء المجلس السيادي السوداني اليمين الدستورية، ليتولى قيادة البلاد خلال المرحلة الانتقالية الممتدة لـ39 شهرًا، ويتكون المجلس من 11 عضوًا؛ خمسة عسكريين، وستة مدنيين من بينهم امرأتان – أي أن التمثيل النسائي في حصة المدنيين يصل إلى الـثلث – وهما: الناشطة النسوية عائشة موسى السعيد، ورجاء نيقولا التي تعد أول امرأة قبطية تعتلي منصبًا سياديًا منذ استقلال السودان.

الأسبوع الماضي أيضًا، شهدت السودان تمكين المرأة من منصب لم ترتق إليه أي سودانية من قبل وهو رئاسة مؤسسة القضاء، بعد أن توافقت قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري على أن تعتليه القاضية نعمات عبد الله خير، وذلك بحسب ما أورده بيان نشرته القوات المسلحة السودانية عبر صفحتها الرسمية على موقع فيسبوك.

بوصولها إلى هذا المنصب، فإن خير تعد أول امرأة تبلغ هذا الموقع عربيًا والخامسة أفريقيًا بعد صوفيا أكوفو في غانا، وميازا أشينافي في إثيوبيا، وماتيلدا تومي في سيشيل، ونتومينج ماجارا في ليسوتو.

نعمات المتخرجة في كلية الحقوق بجامعة القاهرة فرع الخرطوم، انضمت إلى السلك القضائي مع بداية الثمانينيات، قبل انقلاب البشير في الثلاثين من يونيو في العام 1989، وقد عملت بمحكمة الاستئناف السودانية والمحكمة الابتدائية وتدرجت في المناصب القضائية حتى أضحت قاضية بالمحكمة العليا، وهي المحكمة الأرفع في السودان.

ومن أشهر الأحكام التي أصدرتها، الحكم الصادر في الثامن من نوفمبر في العام 2016، برفض طعن وزارة الأوقاف والإرشاد التابعة للرئيس المعزول عمر البشير ضد الكنيسة الإنجيلية السودانية، فيما يتعلق بإدارة شؤون الكنيسة وهو صراع دخل إلى ساحات القضاء في العام 2013 واستمر لأكثر من ثلاث سنوات، ويُنظَر إلى هذا الحكم باعتباره أحد دلائل استقلالها.

لا تنتمي خير إلى حزب أو تكتل سياسي، إلا أن مواقفها المدافعة عن استقلالية القضاء تعكس معارضتها لسياسات النظام البائد الذي سيطر على مفاصل الدولة وعمد إلى إحكام قبضته على القضاء، ويؤكد ذلك مشاركتها في موكب القضاة الذي اتجه إلى ساحة اعتصام القيادة العامة للقوات المسلحة بالخرطوم، في الـ 25 من أبريل الماضي، للمطالبة باسقلال السلطة القضائية وتطهيرها من بقايا نظام البشير.

القاضية نعمات عبد الله خير واحدة من مؤسسي نادي القضاة السوداني، الذي أعلن قبل عدة أشهر عن إضراب يشمل جميع القضاة، تأييدًا لمطالب الشعب السوداني وعلى رأسها تشكيل حكومة تمثل وتعبر عن ثورته.

يحيط باختيار خير لهذا المنصب جدل تقليدي ومعتاد، يبرز مع كل صعود لامرأة إلى مكانة أو موقع لم يسبقها إليه أخريات. فتصبح الكفاءة حجة كل معارض وكأن الحذق والموهبة والاحتراف مزايا يختص بها الرجال وحدهم.