كتبت: شهد مصطفى

في الـ11 من يونيو الجاري، تظاهرت مئات النساء في عدد من المدن اليابانية، احتجاجًا على تتابع صدور أحكام بالبراءة لصالح مغتصبين، وقد حملن الزهور لإظهار الدعم والتضامن مع الناجيات من العنف الجنسي، إلى جانب لافتات كتبن عليها «أنا أيضًا» و«أنا معك». وتأتي هذه المظاهرات التي شهدتها تسع مدن يابانية، في مقدمتها العاصمة طوكيو، ضمن سلسلة من المظاهرات انطلقت في إبريل الماضي تحت اسم «مظاهرة الزهور- Flower Demo» في مدينتي طوكيو وأوساكا.

تأجج هذا الحِراك النسوي عقب إصدار القضاء الياباني خلال شهر مارس الماضي، مجموعة أحكام بالبراءة بحق عدد من المتهمين بارتكاب جرائم اغتصاب، ومنها حكم البراءة الذي أصدرته محكمة في مدينة ناغويا، لصالح أب اغتصب ابنته البالغة من العمر 19 عامًا، وقالت المحكمة في مسببات الحكم إن «الفتاة كان بإمكانها أن تقاوم إن أرادت.»

كما أصدرت محكمة في مدينة فوكوكا خلال الشهر ذاته، حكمًا بتبرئة رجل اغتصب امرأة وهي في حالة سكر (شبه غائبة عن الوعي)، مبررة حكمها بـأن «الرجل أخطأ في فهم ما إن كانت تقبل أم ترفض ممارسة الجنس معه.»

الاغتصاب في القانون الياباني: التعديل لم يحم النساء

في مارس من العام 2017، قدم مجلس الوزراء في اليابان مقترحًا لتعديل قانون العقوبات إلى البرلمان، يهدف إلى تغليظ العقوبة القانونية لجريمة الاغتصاب. وكانت ميدوري ماتسوشيما وزيرة العدل اليابانية، قد طرحت التعديل للمناقشة في العام 2014، مشددةً على أنه من المرفوض أن تكون «عقوبة الاغتصاب الذي يضر النساء نفسيًا وجسديًا وقد يمتد أثره طوال حياتهن، أقل من عقوبة السرقة.»

كان قانون العقوبات الياباني ينص على عقوبة تصل إلى ثلاث سنوات أو أكثر في جرائم الاغتصاب، بينما يقضي بعقوبة تصل إلى خمس سنوات أو أكثر في جرائم السرقة.

قبل التعديل، كان القانون الياباني يُعرّف الاغتصاب بممارسة الجنس مع المرأة قسريًا عبر إيلاج العضو الذكري في المهبل، متجاهلًا أشكال الاتصال الجنسي الأخرى.  لكن التعديل وسّع التعريف بما يفتح المجال للاعتراف بوقوع الاغتصاب على الذكور أيضًا. كما رفع التعديل الحد الأدنى لعقوبة مرتكبي الجرائم الجنسية وتحديدًا الاغتصاب إلى خمس سنوات، فضلًا عن إضافة إجراءات من شأنها حماية خصوصية الناجيات.

دخل القانون المُعدّل حيز التنفيذ في 13 من يوليو في العام 2017، وأظهرت أرقام رسمية أن اليابان شهدت خلال النصف الأول من العام 2018، الإبلاغ عن 601 حالة اغتصاب بزيادة 26.8 في المئة عن الفترة نفسها في العام 2017 (قبل إقرار التعديلات)، وقد أرجع كثير من المراقبين ذلك إلى توسيع تعريف الاغتصاب مما أدى إلى زيادة الحالات المُبلّغ عنها.

ومع ذلك، فإن التعديلات تركت مجموعة من الثغرات دون أن تقضي عليها، ومنها صعوبة إثبات وقوع العنف الجنسي إذا لم تقاومه المرأة، وهو ما يتضح بقوة أثره السلبي مع أحكام البراءة الأخيرة، بعد أن امتنع القضاة عن الاعتراف بوقوع الاغتصاب – كما أشرنا آنفًا – في ظل غياب مقاومة الطفلة ضد أبيها والمرأة التي كانت تحت تأثير الكحول.

#MeToo: حِراك مستح في اليابان

عندما انطلق حِراك #MeToo في الولايات المتحدة الأمريكية في أكتوبر من العام 2017، على خلفية اتهام عدد من العاملات بالمجال السينمائي للمنتج هارفي واينستين بالاعتداء الجنسي عليهن في مراحل مختلفة، استجابت دول أخرى للحِراك وامتد في أنحاء متفرقة من العالم، إلا أن التفاعل لم يكن بوتيرة واحدة في كل البلدان، وكانت اليابان واحدة من الدول التي لم تستجب بقوة إلى الحِراك، وحسب موموكا فوكوهارا مؤسسة حملة #WeToo التي تعد النسخة اليابانية من #MeToo، فإن هذا الحِراك لم يجد صدى واسعًا في بلدها بسبب المجتمع الذكوري الذي يدفع الناجيات من العنف الجنسي إلى التزام الصمت إزاء تجاربهن، خشية إلقاء اللوم وتحميلهن مسؤولية ما حدث.

بعد نحو أربعة أشهر من انطلاق #MeToo، أطلقت فوكوهارا بالتعاون مع مجموعة من الناشطات حملة #WeToo، إلا أن هذه الحملة تتجاوز تحديد هوية الناجيات من العنف الجنسي كما هو الحال في  #MeToo، بهدف تشجيع النساء على الحديث من دون خوف من الوصم.

التعاطف الذي وجدته الناجيات في الولايات المتحدة عقب تمدد حِراك #MeToo، لم تجده نظيراتهن في اليابان حينما قررن أن يكسرن الصمت، ومنهم مراسلة صحافية اتهمت مسؤول كبير في وزارة المالية بالتحرش جنسيًا بها.

نتيجة تجاهل رئيسها في العمل لشكايتها من ملاحقة هذا المسؤول لها وتحرشه المستمر بها، قررت المراسلة الصحافية توثيق ما تتعرض له عبر تسجيلات صوتية، أرسلتها لاحقًا إلى إحدى المجلات التي قامت بنشرها لتصبح سببًا في إرغامه على الاستقالة من منصبه في إبريل من العام 2018. لكن المراسلة لم تسلم من الإهانة والإساءة والاتهام بارتكاب جريمة التسجيل لشخص من دون علمه، فضلًا عن اتهامها بالضلوع في مؤامرة تحاك ضد الرجل من قبل معارضيه.

تناول عدد من وسائل الإعلام الكبرى في العالم مثل شبكة BBC وصحيفة Financial Times، هذه الواقعة باعتبارها نقطة انطلاق #MeToo في اليابان، إلا أن الواقع جاء مخيبًا للآمال التي تملكت كثيرين حينذاك، فلم يتفاعل القطاع الأوسع من العاملات في الإعلام أو النساء اللاتي يتعرضن للعنف الجنسي على يد رؤسائهن بإيجابية مع القضية، خوفًا من تبعات ذلك في مجتمع ينحاز بعصبية إلى ذكوره، خاصة أصحاب السلطة منهم.

استمر التجاوب في اليابان مع حملة  #WeToo المحلية وحِراك #MeToo العالمي محدودًا ومتقطعًا حتى بدأت مظاهرات الزهور في إبريل الماضي، والتي تهدف النساء المُحرّكات لها وأغلبهن من الناجيات إلى أن تكون بمثابة حركة ضاغطة من أجل حماية حقوق الناجيات من العنف الجنسي.