«كانت جيرتا تارو واحدة من المصورات الصحافيات الرائدات، وهي أول امرأة تتقدم إلى الخطوط الأمامية كناقل وموثق للصورة في نزاع مسلح وهي أيضًا أول مصورة صحافية تموت في ساحة المعركة.»

كان التصوير الحربي حكرًا على الرجال حتى ثلاثينيات القرن الماضي، حتى اقتحمت الألمانية جيرتا تارو هذا المجال من خلال تغطيتها للحرب الأهلية الأسبانية، ومثلما كانت هذه الحرب السبب في أن تصبح أول مصوّرة صحافية في العالم تشتبك مع الحروب والنزاعات، كانت أيضًا السبب في وفاتها قبل أن تتم عامها السابع والعشرين.

حتى وقت قريب، ظل تاريخ تارو مُهمّشًا لصالح شريكها الحميم، المصوّر أندريه فريدمان، الذي عُرِف لاحقًا باسم روبرت كابا  (1913- 1954) ونال شهرة واسعة في مجال التصوير الصحافي لا سيما التصوير الحربي.

لم يكن تارو اسمها العائلي وإنما اختارته بدلًا عن اسمها الأصلي بوهوريل، في محاولة لإخفاء هويتها اليهودية خوفًا من صعود النازية والعنف ضد اليهود في أوروبا خلال ثلاثينيات القرن الماضي، وكان اختيارها لهذا الاسم تحديدًا تيمنًا بالفنان التشكيلي والنحّات الياباني تارو أوكاموتو.

بدأت تارو عملها كمصورة صحافية في العام 1936، عقب انتقالها إلى العاصمة الفرنسية باريس في العام 1934 هروبًا من النظام النازي في ألمانيا. كانت يهودية، عارضت الحزب النازي، وانضمت إلى الحزب اليساري، واعتُقِلَت في العام 1933 لنحو 17 يومًا إثر توزيعها منشورات معادية للنازية، ثم توجهت مضطرةً بعد إطلاق سراحها إلى فرنسا.

عاشت تارو تحت ظروف غير مستقرة في باريس وتقلبت بين وظائف عديدة قبل أن تعمل بالتصوير الصحافي، إذ عملت كنادلة في أحد المطاعم ثم كعارضة أزياء حتى التقت بمصور مجري يدعى أندريه فريدمان في سبتمبر من العام 1935.

كان فريدمان لاجئًا يهوديًا، أرغمه تنامي التهديد النازي إلى الانتقال من ألمانيا إلى فرنسا. وبعد لقائه الأول مع  تارو، تطوّرت علاقتهما سريعًا ونشأت بينهما قصة حب، بدأت معها بالتوازي علاقة تشارك مهني، إذ شرع فريدمان في تعليمها أساسيات التصوير الفوتوغرافي، مما أهلها إلى الالتحاق بوظيفة  -غير محددة المهام- في إحدى وكالات الأنباء قادتها فيما بعد إلى الاشتغال بتحرير الصور في الوكالة نفسها.

في المقابل، كان فريدمان لا يزال يبحث عن فرصة لتسويق عمله الفوتوغرافي، وبالتالي قرر الثنائي الاشتراك معًا في إنتاج أعمال مصوّرة ونشرها تحت اسم مستعار وهو روبرت كابا، زاعمين أن صاحبه أمريكي جاء ليعيش مؤقتًا في أوروبا، بما يعينهما على تسويق أعمالهما دون خوف من أن تُشكّل هويتهما اليهودية معوقًا. لكن سرعان ما انكشف السر، فاحتفظ فريدمان بالاسم لنفسه بينما بدأت جيرتا تنشر أعمالها منفصلة باسم جيرتا تارو بعد تخليها عن اسم عائلتها بوهوريل.

لم يكن الانفصال كليًا أو نهائيًا، فقد نشر الثنائي خلال العام 1937 نحو 135 صورة بتوقيعهما المشترك «كابا وتارو»، وعندما اندلعت الحرب الأهلية في أسبانيا في العام 1936، قررا تغطية وقائع وأحداث الحرب سويًا.

استمرت الحرب الأهلية الأسبانية لثلاث سنوات، ما بين 1936 و1939، بين جبهة الجمهوريين (قوى اليسار) الذين جاءوا عبر انتخابات شعبية والوطنيين بقيادة الجنرال فرانسسكو فرانكو (قوى اليمين) الذي حكم عبر انقلاب عسكري. وقد انتهى النزاع المسلح بين الجبهتين، بهزيمة الجمهوريين بعد أن حظي فرانكو باعتراف دولي، خاصة بعد تدخل كل من إيطاليا وألمانيا في هذا الشأن ودعمهما له ولحلفائه بالسلاح.

بعد أسبوعين من اندلاع الحرب، وصل الثنائي تارو وفريدمان إلى مدينة برشلونة الأسبانية، ووثقوا بعدساتهما استعدادات جنود الجمهوريين قبيل توجههم إلى جبهة القتال. كما سافرا سويًا إلى مدن أسبانية أخرى لتوثيق ما اعتبرته تارو حربًا ضد الفاشية العسكرية تستحق الدعم بكل السبل بما فيها التصوير والنشر، وكان من بين المدن التي ذهبا إليها وغطيا مشاهد الحرب فيها أرغون، ومدريد، وتوليدو، وقرطبة في الجنوب. بينما ذهبت تارو وحدها إلى مدينة برونيت غرب مدريد، وغطت الأحداث هناك لجريدة فرنسية تحمل اسم «هذا المساء – Ce Soir»، وقد كشفت الصور التي التقطتها هناك سيطرة الجمهوريين على هذه المنطقة، على خلاف ما أشاعه الوطنيون بشأن سيطرتهم الكاملة عليها.

توفيت تارو أثناء تغطيتها لانسحاب قوات الجمهوريين في معركة برونيت، وتوجد عديد من الروايات حول وفاتها، إذ ترجعها بعض المصادر إلى دهسها تحت دبابة بالخطأ، وهناك من يقول إنها كانت في شاحنة تقل الجرحى من الجنود وانفجرت دبابة مجاورة، وفي رواية أخرى فإن اصطدام الدبابة بالشاحنة هو السبب في وفاتها. أما المتفق عليه هو أنها أصيبت بجروح خطيرة أدت إلى وفاتها بعد ساعات من نقلها إلى إحدى المستشفيات، وذلك في الـ26 من يوليو في العام 1937 قبل أيام من عيد ميلادها الـ27.

نتيجة موقفها السياسي الواضح والمعروف، اعتبر الحزب الشيوعي جيرتا تارو رمزًا معاديًا للفاشية وأقام لها جنازة كبيرة بالتزامن مع أول عيد ميلاد لها بعد الوفاة في الأول من أغسطس في العام 1937، وكلف قادة الحزب الفنان السويسري  ألبرتو جياكوميتي بتنفيذ نصب تذكاري في مدخل مقبرتها.