لأكثر من نصف حلقاته، لم تظهر النساء في مسلسل «قابيل» سوى كشخصيات ثانوية بلا أبعاد أو عُمق، تجمعهن بالبطل لقاءات عابرة أو يتشكلن صورًا في خياله، حتى أديرت الدفة واتسعت زاوية المشاهدة لتشمل إلى جانب طارق ضابط الشرطة الذي يؤدي دوره محمد ممدوح، الشخصيتين الرئيستين الأخريين سما واَدم، الذين يجسد شخصيتهما كل من أمينة خليل ومحمد فراج.

بدأ المسلسل بالإعلان عن جريمة خطف ثم قتل سما، وهي الجريمة التي تبعها جرائم أخرى يرتكبها شخص واحد يبث صور ضحاياه عبر الإنترنت من خلال حساب على موقع فيسبوك يحمل اسم «قابيل»، وعلى الرغم من الطابع البوليسي والتشويقي الذي يتسم به العمل وتسبب في تنحية شخصية سما التي اشتعلت الأحداث بسببها لما يصل إلى 15 حلقة، فقد عرّفت الحلقات الأولى بها كفتاة قررت الاستقلال المادي عن أسرتها، وقادت التحريات إلى كشف المتاعب التي عانتها من تحرش في العمل، واعتداءات غير معلوم مصدرها أعادتها في أحد الأيام إلى منزلها ممزقة الملابس شعثاء الشعر، قبل أن تتبين الدوافع الفعلية وراء استقلالها المادي عن أسرتها ثم هروبها واشتراكها في جرائم قتل مع آدم، واتفاقهما على تصويرها وكأنها قُتِلت بالفعل.

مسلسل البطل الأوحد

يمكن تصنيف المسلسل ضمن دراما البطل الأوحد، إذ تدور أحداثه حول بطل رئيس وهو طارق، الذي يراه المشاهدون أغلب الوقت، وحتى عندما تصبح شخصيتا سما وآدم عنصرين أساسين على الشاشة، فإن الأحداث ترجح كفة آدم فيما يتعلق بإدارة الأحداث وتطوراتها، بما يجعل الصراع الأساسي بينه وبين طارق، بينما تبدو سما مساعدًا لآدم فيما يقوم به، لأنها وجدت فيه ما يشبع رغبتها الدفينة في الانتقام.

باختصار

تدور أحداث المسلسل حول الضابط طارق كمال الذي يعاني من اضطراب نفسي نتيجة وفاة زوجته في حادث سير، وتؤدي به هذه الحالة إلى الإصابة بنوع من الهلاوس البصرية تجعله يرى زوجته ويتحدث معها. لكن الأمور تزداد سوءًا عندما يُستدعى لتولي ملف التحقيقات في قضية قتل شابة تدعى سما، والتي تتشعب وتصبح مقدمة لسلسلة جرائم قتل أخرى، فتزداد هلاوسه ويرى كل من قُتِلوا في هذه القضية أمام عينيه يتحدثون معه. ومع تصاعد الأحداث، يصبح طارق هو المتهم بارتكاب هذه الجرائم وتبدأ رحلة بحثه عن المجرم الفعلي ليُثبت براءته، فينكشف تباعًا أن كل الجرائم ارتكبها اَدم بمساعدة سما.

المسلسل من إخراج كريم الشناوي في أولى تجاربه التلفزيونية، واشترك في تأليفه أربعة كتاب وهم: كريم يوسف وأشرف نصر، ومصطفى صقر ومحمد عز الدين.

حضور نسائي هزيل أمام الكاميرا وخلفها

على صعيد الشخصيات الدرامية، فإن شخصية البطل يمثلها طارق بينما يمثل اَدم خصم البطل، أما شخصية التابع أو المساعد فيجسدها الضابط عبد الرحمن الذي يؤدي دوره علي الطيب، وتجسد سما شخصية المساعد لآدم، إلى جانب مي التي تؤدي دورها فاطمة الناصر وتلعب دور الداعم والمساعد لطارق أيضًا. الاستحواذ على المساحة الأكبر من الظهور على الشاشة كان لشخصية طارق ومساعده في القضية عبد الرحمن لا سيما خلال حلقات النصف الأول من المسلسل. ومع ظهور شخصيتي آدم وسما بشكل مستقر والذي تركز أغلبه على استعادة الذكريات سواء التي دفعت إلى ارتكابهما لهذه الجرائم أو ملابسات الجرائم نفسها، يتضح أن العقل المدبر هو آدم، وأنه المقرر والمخطط. أما سما وشيماء التي تؤدي دورها نهى عابدين، فقد اقتصر دورهما على تنفيذ هذه الخطط حتى قتل آدم شيماء بينما استمرت سما شريكة في تنفيذ الجرائم اللاحقة. بالإضافة إلى ذلك، تكرر الظهور العابر لشخصيات نسائية كانت على علاقة بضحايا «قابيل».

الغلبة خلف الكاميرا كانت للرجال أيضًا، إذ سيطر الذكور على الإخراج والتأليف والمونتاج وإدارة التصوير والإنتاج، بينما اقتصر الحضور النسائي على: المكياج والمؤثرات الخاصة الذي قامت به ياسمين مختار، ومساعدة المونتير وهو ما قامت به آية رضا عبد العزيز وتصميم الملابس الذي قامت به منى التونسي، بالإضافة إلى حضور ماهيتاب مختار كـPost Producer  وكنزي عبد العزيز كـDirector’s Producer .

سما.. العنف المنزلي يقود إلى تدمير النفس والعدوانية

رغم أن ظهور شخصية سما لم يستتب إلا بعد الحلقة الخامسة عشرة، وعلى الرغم من أنها لا تبدو مُسيّرة للأحداث مثل شخصيتي طارق وآدم، فإنها تظل شخصية متعددة الأبعاد، وتتبين جوانب في شخصيتها تؤكد أن للعنف المنزلي التأثير الأكبر فيما وصلت إليه. بدأت علاقة سما بالعنف المنزلي مع اعتيادها رؤية والدها يهين ويضرب والدتها إبان طفولتها، ثم قتل أمها أمام عينيها على يد أبيها بعد أن اكتشفت الزوجة خيانته، ليتبع ذلك زواجه من «العشيقة»، ثم إقامة سما معهما مُكرَهةً.

تكبر سما وقد قررت اعتزال الأب وزوجته معنويًا وماديًا، فتعيش معهما ولا تحادثهما إلا فيما ندر، وتعمل كنادلة في أحد المطاعم حتى تنفق على نفسها وتتجه إلى الإدمان هروبًا من واقعها، وعندما تقصد عيادة آدم بوصفه طبيبًا نفسيًا لمساعدتها على التخلص من الإدمان، تجده يذكي رغبتها في الانتقام ويقنعها بالانضمام إليه في خطة وضعها للانتقام بشكل أساسي ممن أضروه وتحديدًا زوجته التي اكتشف خيانتها له.

في رحلة الانتقام، المقرر والمخطط هو آدم وتظهر سما في صورة الذراع اليمنى له، فتساعده في الإيقاع بالضحايا، وتشاهد تعذيبه لهم متبلدة المشاعر، ويروق لها متابعة عمليات القتل. ومع ذلك، لم تظهر سما كشخصية خاوية، لأن تعقيدات الشخصية تتبلور مع استعادتها للماضي وفي المواجهة مع آدم وعندما تذهب لزيارة والدها في المستشفى وتفصح عن آلامها النفسية التي تصاحبها منذ الطفولة، وحينما تتعرف إلى صفية، تؤدي دورها عارفة عبد الرسول، فتذكرها بأمها لتكون السبب في تحديها لآدم لأول مرة منذ أن بدأت رحلتهما.

محاولة إبراز العنف ضدهن وأدتها نمطية الشخصيات

أبرز صنّاع العمل من خلال عدد من الشخصيات النسائية الثانوية صورًا للعنف ضد المرأة، إلا أن التعاطي مع الأمر بدا سلبيًا بسبب القوالب النمطية التي وضعت فيها الشخصيات، حيث كان رد الفعل إزاء العنف – في الغالب- بزج الأجساد في علاقات صاحباتها أنفسهن لا يعترفن بحقهن في إقامتها ويبدين ندمًا عليها. يقدم العمل أغلب الشخصيات النسائية الثانوية ضعيفة وهشة وترتكب عنفًا مضاعفًا ضد نفسها، وفي كل مرة تجلس إحدى المعنفات لتحكي أمام طارق عن قصتها، تتلعثم ويتحشرج صوتها وتترقرق الدموع في عينيها ندمًا على اضطرارها إلى الدخول في علاقة جنسية مع رجل أولأنها خُدِعت من رجل أو أخطأت في حق رجل.

ينطبق هذا على شخصية سلمى زوجة آدم التي تعد السبب الرئيس في اتخاذه قرار قتل كل من قتلهم وهي من بينهم، فقد جرت قولبة شخصيتها في إطار المرأة الخائنة التي أسقطت الرجل في الهاوية. لا يختلف الأمر كثيرًا مع شخصية شيماء التي تؤدي دورها نهى عابدين، وهي فتاة تعاني من ظروف الفقر، تقبل بالزواج من رجل ثري يكبرها في السن بفارق كبير، على أمل أن تتحسن أحوالها إلا أنها تجد نفسها تتعرض للعنف على يد هذا الرجل، فتتحمل من أجل المال، ثم تشرع في البحث عن بدائل تُعينها على الهروب من واقعها، فتتجه إلى إدمان المخدرات والدخول في علاقة مع آدم.

أما مي التي خذلها طارق حبيبها السابق، وتزوجت من شخص آخر بعد افتراقهما فعانت في زيجتها بسبب فظاظة الرجل، تُبرِز علاقتها بزوجها إشكاليتين مرتبطتين بالطلاق وهما الإساءة إلى سمعة الزوجات من قبل أزواجهن في حالة إقدامهن على الطلاق أو الخلع، وخطف الآباء للأطفال. في خضم ذلك، يظهر طارق ليستعيد مكانته في حياتها رغم ما فعله سابقًا، فتطلب مساعدته في مواجهة خطيبها ليخذلها ثانية، ثم يعود فتسانده في أزمته، وتمضي العلاقة مرجحة كفة طارق في قيادتها وإدارتها.

بشكل واضح، بدت سمتا الخوف والتخبط بارزتين في الشخصيات النسائية وبسطت التبعية سيطرتها على علاقات النساء مع الذكور في عالم «قابيل» حيث يمتلك الرجل النفوذ والقوة ويحتكر القرار.